وضع داكن
12-02-2025
Logo
خطبة جمعة : 1208 - ثلاث رسائل .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أُذنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.

خطبة اليوم تتجه إلى ثلاث رسائل:


أيُّها الإخوة الكرام، أيُّها الإخوة الأحباب: خطبة اليوم تتجه إلى ثلاث رسائل، رسالةٌ أولى، رسالةٌ ثانية، رسالةٌ ثالثة. 
أولاً: الرسالة الأولى إلى أُولي الأمر في بلدنا الحبيب، والثانية إلى الطوائف كافةً، والثالثة لعموم السوريين على امتداد أرض الوطن، ثلاث رسائل.

الرسالة الأولى: 

أمّا الرسالة الأولى: فهي لكل من ولّاه الله تعالى أمراً من أمور بلدنا، أو كان في موقع مسؤوليةٍ، منطلق قول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه ))

[  متفق عليه ]

هذا كلام النبي الكريم، وانطلاقاً من المسؤولية أتمنى على كل من وليَ أمراً من أمور المسلمين، أولاً الاستفادة من الكفاءات الخبيرة في عملية الإصلاح، واختيار الكفاءات الجديدة بشكلٍ موضوعي، مبنيٍ على القوة والأمانة 

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾

[ سورة القصص ]

فالقوة تشمل الشهادة العلمية، والخبرة العميقة الراشدة، وأداء الواجب، على النحو الأكمل من دون تفريطٍ في الوقت أو في المواهب أو في حقوق الناس، سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا عيَّن والياً يقول له: "خُذ عهدك، وانصرف إلى عملك، واعلم أنك مصروفٌ رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال، فاختر لنفسك: إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك، وسلَّمتك من عقوبتك أمانتك، وإن وجدناك خائناً قوياً استهنَّا بقوتك، وأوجعنا ظهرك، وأحسنا أدبك، وإن جمعت الجرمين جمعنا عليك المضرَّتين، الآن دققوا: وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك، ورفعنا لك ذكرك، وأوطأنا لك عقبك" .
الأمر الأول انتهى.
 الأمر الثاني: أيُّها المسؤول، أعطِ المواطن رغيف خبزه وكرامته وخُذ منه كل شيء، حاجاته الأساسية وكرامته، عندئذٍ تأخذ منه كل شيء، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويِّهم ضعيفهم.
الأمر الثالث: محاسبة المقصّرين وليكن ذلك بحجم الخطأ المُرتكب، وعامَّاً وليس خاصَّاً بفئةٍ دون فئة، ومع السعي الحثيث لتحسين دخل العاملين، حتى تكون محاسبتهم مُجدية، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه، عملاق الإسلام: "إنَّ هذه الأيادي خُلقت لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية" ، هذا كلام عملاق الإسلام سيدنا عمر.

الرسالة الثانية: 

أمّا رسالتي الثانية: فهي لعموم الطوائف في سوريا، فأقول هذا البلد لجميع أهلها، وكل مواطنٍ فيها له حقوقٌ وعليه واجبات، لقد وضع النبي الكريم عليه أتمّ الصلاة والتسليم، وثيقة المدينة بعد هجرته إليها، أول جملةٍ فيها، أهل يثرب أمةٌ واحدة، مفهوم المواطنة، واليوم أقول تقليداً لهذا العملاق الكبير في الإسلام، أهل سوريا أمةٌ واحدة، إن مشكلتنا في ستة عقودٍ، ستّين عاماً خلت، لم تكن مع طائفةٍ بعينها، بل كانت مُشكَّلةً مع الظلم والقهر والحرب على دين الناس وحرياتهم، واليوم لن يكون الحساب إلا مع القتلة والمجرمين وأعوانهم، من أي طائفة، لا يوجد انتقام، يوجد إعطاء للحدّ الذي لا بُدَّ منه.
 أدعو إخواننا من جميع الطوائف والأعراف، إلى تسليم السلاح للدولة، والتعاون مع الجميع في البناء، فما حصل كان نصراً عظيماً، وفتحاً مُبيناً لكنه بداية العمل والبناء، وما بعده خطيرٌ جداً، إن لم نتعاون عليه جميعاً، فالوطن بحاجةٍ إلى جميع أبنائه وبناته، يعني مقطع صغير، أعداؤنا الألداء في الغرب، يتعاونون تعاون مُذهِل وبينهم خمسةٌ بالمئة قواسم مشتركة، ومع الأسف الشديد الشديد، وأحياناً الحقيقة المُرَّة تفضُل ألف مرَّة الوهم المريح، لا نتعاون بل نتنافس، بل نتقاتل، هذه الحقيقة المُرَّة التي هي أفضل ألف مرَّة من الوهم المريح.

التعاون حضارة وقوة وتألق:


إذاً أيُّها الإخوة: التعاون حضارة، والتعاون قوة، والتعاون تألق، والتعاون عزم، أعداؤنا يتعاونون تعاون مُذهِل علينا، وبينهم خمسةٌ بالمئة قواسمٍ مشتركة، هذه حقيقةٌ مُرَّة أرجو أن تكون قد انتهت، لا نتعاون بل نتنافس، بل نتقاتل، وبيننا خمسةٍ وتسعين بالمئة قواسم مشتركة.
أيُّها الإخوة الكرام: كانت مرحلة الثورة تحتاج إلى أخلاق الجهاد، ولكننا اليوم بحاجةٍ جميعاً إلى أخلاق الدعوة، في الحرب هناك جهاد، في السلم هناك دعوة 

﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)﴾

[ سورة النحل  ]

لم يقل بالحُسنى، بالتي هي أحسن، فلا مجال اليوم إلا للُغة الحكمة والعدل، والكلام الحسَن والجدال بالأحسن.

الرسالة الثالثة: 

أمّا رسالتي الثالثة: فهي لأهل الوطن السوريين عموماً، فأقول لهم: الوطن لنا، والأشياء الصغيرة في البناء يمكن أن تُحدِث فارقاً كبيراً، سرَّني ما رأيته في شوارعنا، من مبادراتٍ تطوعيّة أهلية، لتنظيم السير وتنظيف الطرقات، وتنظيم حركة الناس، واللجان المرتبطة بالدولة لحماية الممتلكات، وغير ذلك الكثير.
 ينبغي في الإيجابيات أن نذكرها، وأن نُثني عليها، أنَّ من تلبيس إبليس اللعين على الإنسان، أنه يزهِّده بصغائر الأمور، التي هو قادرٌ عليها، ويُطمِّعه بأمورٍ كبيرةٍ جداً، ليس قادراً على فعلها، ثم هو بعد ذلك لا يقوم بشيءٍ كبيرٍ ولا صغير، ويبقى مُتفرِّجاً ناقداً مُثبِّطاً مُحبطاً.
فلا ينبغي إذاً أن يستخف بأي عملٍ مهما يكن صغيراً، يعني إذا رأيت نملةً يمكن ماء الصنبور أن يُميتها، فانتظرت، هل هناك أصغر من هذا؟ محسوبةٌ لك عند الله، مهما كان العمل صغيراً، محسوبٌ لك عند الله، فلا ينبغي إذاً أن نستخف بأي عملٍ، مهما يكن صغيراً، ولنستمع جميعاً إلى القوة، دققوا: 

(( المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ ))

[ أخرجه مسلم ]


علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح:


السبب: علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح، وسُمّيَ العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً وافق السُنَّة، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، قال سيدنا علي رضي الله عنه: "الغنى والفقر بعد العرض على الله" ، فالبطولة، والنجاح، والذكاء، والتألق، والتفوُّق، أن تُدخل الآخرة في حسابك، ما من قطرة دمٍ تُراق في الأرض، من آدم إلى يوم القيامة، إلا وسوف يتحملها إنسان، كائناً من كان، إلا من يقوم بحدٍّ يتحمله الله، ولنستمع جميعاً إلى القوة، دققوا الآن: (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ) لكن النبي صلى الله عليه وسلم جبّار خواطر، قال: (وفي كلٍ خيرٌ) .
القوة ليست قوة الجسم فحسب، ولكنها قوة المال، وقوة العِلم، وقوة المنصِب، القوة مالاً، أو عِلماً، أو منصباً، لماذا هذه القوة مهمة جداً؟ لأنَّ علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، وخيارات القوي في العمل الصالح لا تُعد ولا تُحصى، و الغنى والفقر بعد العرض على الله، القوي بماله يمكن أن يحل آلاف المشكلات، يفتح ميتماً، يُربّي أجيالاً، يعالج المرضى، يزُّوج الشباب والشابات، خياراتك في العمل الصالح لا تُعد ولا تُحصى، وعلة وجودك  العمل الصالح، والدليل القطعي القرآني:

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾

[ سورة المؤمنون  ]

إذاً القوي بعلمه يدعو إلى الله وينشر الخير، ويبني الأمة، والقوي بمنصبه بجرة قلمٍ يُحق حقاً، ويُبطل باطلاً، ويُقر معروفاً ويُزيل منكراً.
لذلك أدعو جميع السوريين إلى التكاتف والصبر، فما تمّ تمييزه في ستة عقودٍ، لا يمكن بناؤه في أشهُرٍ معدودة، ستّين سنة، هذا لا يُلغى بأيامٍ، بمدةٍ ليست بالقليلة، نحتاج إلى الصبر. 
لقد فرحنا جميعاً، والله الذي لا إله إلا هو ما من مسلمٍ في هذه البلاد، وفي غير هذه البلاد، فرح فرحاً لا يوصف بالذي حصل، بعد أن كنّا مقتربين من اليأس، لقد فرحنا جميعاً وحُقَّ لنا أن نفرح، وحان الآن وقت العمل، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، وقت العمل والجد والبذل وعِمارة الأرض بالخير والعمل والإيمان، قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[ سورة المائدة   ]


لا مكان اليوم لطرح القضايا الخلافية:


مُضطر أن أُعيد الفكرة مرة ثانية: أعداؤنا الألداء، المنحرفون، الماديون، الشرسون، يتعاونون علينا تعاوناً مُذهلاً، ونحن مع الأسف الشديد الشديد، سابقاً وليس لاحقاً، لا نتعاون، بل نتنافس، بل نتقاتل وبيننا خمسةٍ وتسعين بالمئة قواسمٌ مشتركة، التعاون قدرنا اَتفقنا أم لم نتفق، وليعذر بعضنا بعضاً، ولا مكان اليوم لطرح القضايا الخلافية، صدِّقوا ولا أُبالغ، طرح قضيةٍ خلافية بين أطياف المسلمين، يُعد أكبر جريمةٍ الآن، يجمعنا أضعاف أضعاف أضعاف ما نختلف عليه، ولا مكان اليوم لطرح القضايا التي يسع فيها الاختلاف والجزئيات التي تشغلنا عن واجباتنا الأساسية، في مدّ يد العون لبعضنا، وبناء جسور المحبة، نحتاج إلى حكمةٍ بالغة، وإلى أن نبتعد عن الأشياء الصغيرة التي تفرقنا.
اللهم اجمعنا على الحق والخير والهدى، وألهمنا رشدنا، واصرف عن بلادنا مكر الماكرين وما أكثرهم، وكيد الكائدين وما أقساهم، يا أرحم الراحمين.   
أيُّها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنَّ ملَك الموت قد تخطّانا إلى غيرنا وسيتخطّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني>

 الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور