الدكتور بلال نور الدين:
يا ربنا لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
الحمد لله على كل بسمةٍ افترَّ عنها ثغر امرئٍ في مشارق الأرض ومغاربها، فرحاً بزوال الطُغاة، واستبشاراً بمستقبلٍ أفضل لأهلنا ولبلادنا.
الحمد لله على فرحة كل معتقلٍ رأى النور، بعد أن ظنَّ أن ذلك من المُستبعدات.
الحمد لله على فرحة كل أُمٍ وكل أبٍ التقيا بأبنائهما بعد طول غياب.
الحمد لله على فرحة كل طالبٍ وكل تلميذ، التقى بشيخنا وحبيب قلوبنا، فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله.
الحمد لله على نعمة الرضا، التي أسبغها الله تعالى على الأرامل والأطفال واليتامى.
الحمد لله أنَّ الله موجود، وأنَّ الله صَدَق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده.
الحمد لله على نعمة الشهداء، الذين لولا دمائهم الزكية بعد فضل الله تعالى، ما جلسنا اليوم هذا المجلس، فيا رب لكل شهيدٍ قضى إليك في هذه السنوات، يا رب اجعل الفرحة تدخل على قلوبه الساعة تلك إن شاء الله.
﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)﴾
اجعلهم يا ربّي من الفرحين المستبشرين فهُم:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)﴾
أيُّها الإخوة الأحباب، أيُّها الإخوة الأكارم: عندما تتسع الفرحة تضيق العبارة، وقد قالوا:
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا
وفي عيون كلٍّ منكم شوقٌ يُقرأ، وفي ابتسامة كلٍّ منكم كلماتٌ طيِّبة تُقرأ، حيّا الله هذه الوجوه الطيِّبة، وشكراً لهذا الاجتماع الكريم.
ثبات الدكتور محمد راتب النابلسي على موقفه ضد الطُغاة واعتصامه بالله:
أحبابنا الأكارم الأفاضل: أسأل الله تعالى العظيم، أن يحفظكم بحفظه، وأن يكلأكم بكلأه، وأن يجعلكم من عباده الطيبين.
قالوا: المحروم من حُرم بركة أهل زمانه، والشيخ راتب النابلسي بركةٌ من بركات هذا الزمان، قضى حياته في الدعوة إلى الله تعالى، أكثر من خمسين سنة، ليس له همّ إلا الدعوة إلى الله، والله ما علمت أنه يهتم لشيءٍ إلا أن يدعو الناس إلى الله، فإذا حقق ما يريده من دعوته أصبحت الدنيا وراءه، ولمّا جاء عام 2011 ساوموه على موقفه كثيراً، وأنا أشهد، وطلبوا منه كلمات، وقالوا له هذه الكلمات تحفظ بها دعوتك، وتحفظ بها بقاءك في مسجدك، وتحفظ بها ثانويتك الشرعية، وتحفظ بها معهد القرآن، فقُلها، فأبى، كيف يقولها وهو الذي كان يعلم الناس،" يا ربي ماذا فقد من وجدك، وماذا وجد من فقدك" ؟
﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)﴾
وقد اعتصم بالله، وكان في كل يومٍ في غربتنا يسألني متى نعود إلى الشام؟ وهل نرى ذلك؟ ويشهد الله أنني بعد سروري بهذا النصر الكبير، سُررت لأنَّ شيخنا أدركه، أسأل الله أن يُمدَّ في عمره، وأنه رآه بعينه، وأنَّ الله وفَّقه ليجلس الآن هذا المجلس، فالحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما تفضَّل، وأسأل الله تعالى أن يديم عليه النِعَم، وأن يحفظ له صحته، وأن يُبارك بعمره.
لنتعاون جميعاً أحبابنا الكرام، بأن نكون خفيفي الظل على شيخنا، لأنه نسأل الله أن يديم عليه طاعته، وطول العمر إن شاء الله تعالى.
الأستاذ فاروق:
إخواننا الأكارم: أُخبركم بخبرٍ وهو ليس بسرّ، والدكتور بلال يشهد بذلك، شيخنا والله عندما كان في عمَّان وفي كل أسفاره، كان حافظاً لقائمة إخوانه، من يستطيع أن يتصل به كان يتصل به، ومن كان لا يستطيع أن يتصل به، كان يطمئن عليه، والله ما غاب ذهنه لحظةً عن كل أحبابه الذين في المسجد، والله يشهد على ذلك، فهو يحبكم محبةً لا يعلم بها إلا الله، نشكر الله عزَّ وجل أنه أكرمنا، وعاد إلى مسجده بفضل الله تعالى، وكحَّل عيونه بمرآكم، وتكحَّلت عيونكم بمرآه، اللهم لك الحمد.
الفرح العظيم بنصر المؤمنين:
الدكتور بلال نور الدين:
بسم الله الرحمن الرحيم، سيدي الله تعالى يقول:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾
هل أنت فرحٌ سيدي بهذا النصر العظيم والسعادة الغامرة؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
والله الذي لا إله إلا هو، زوال الكون أهون على الله من أن لا ينصر عباده المؤمنين.
الدكتور بلال نور الدين:
الحمد لله، سيدي دائماً من على المنبر:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
ما تعليقكم سيدي؟
كل شيء أرداه الله وقع والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة:
الدكتور محمد راتب النابلسي:
هذا هو التوحيد، وما تعلمت العباد أفضل من التوحيد، أن لا ترى مع الله أحداً، فالتوحيد ملخص الدين، أن لا ترَ مع الله أحداً، أن لا ترَ مُعطياً، أو مانعاً، أو محاسباً إلا الله، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد ملخص بهذه المقولة، كل شيءٍ وقع أراده الله، وقع بالخمس قارات، البُعد المكاني، وقع من آدم إلى يوم القيامة، البُعد الزماني، كل شيءٍ وقع أراده الله، لكن معنى أراده لم يأمر به، ولم يرضَ، لكن سمح به، فرقٌ كبير، كل شيءٍ وقع أراده الله، معكوسة، كل شيءٍ أراده الله وقع، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة، فالذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، شرٌّ مطلق، يعني الشرّ للشرّ بالكون غير موجود، لكن هناك حالات سلبية مصيرها إيجابية، يعني ابن لا يريد أن يدرس، أبوه لم يوافق وأحياناً أدَّبه، فهذا عندما كبر وجد نفسه مهندساً، وعنده زوجةٍ وأولاد ومكانة، فتذكَّر أنَّ هذا التأديب كان أكبر نعمة، اسمعوا الآية:
﴿ وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
الآيات هنا المصائب، يعني مثال للتقريب: مريضَين في عيادة، الأول لديه التهاب معدة حاد، أخضعه الطبيب لحميةٍ قاسيةٍ جداً جداً جداً، ستة أشهر فقط على الحليب وبعدها شفاءٌ تام، الثاني لديه ورمٌ خبيث منتشر بكل جسمه، سأله الثاني للطبيب ماذا آكل؟ قال له: كُل ما شئت، أيهما أفضل حميةٍ قاسيةٍ كما نعيشها نحن هنا في بلادنا، أم يأسٍ من الشفاء؟ حمية، فلذلك كل شيءٍ وقع أراده الله، كل شيءٍ أراده الله وقع، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، شرٌّ مطلق في الكون غير موجود، يتناقض مع وجود الله، أحياناً قد يوجد تناقض مع العدل، مع الوجود أبلغ، شيءٌ يؤكد وجود الله الحكمة المطلقة، فكل شيءٍ وقع، مقولةٌ رائعةٌ جداً بالتوحيد، كل شيءٍ وقع أراده الله، بالخمس قارات بُعدٌ مكاني، من آدم إلى يوم القيامة بُعدٌ زماني، وكل شيءٍ أرداه الله وقع، معكوسة، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، شرٌّ مطلق في الأرض غير موجود، يتناقض مع وجود الله.
وعد الله لرُسله وللمؤمنين بالأمن:
الدكتور بلال نور الدين:
جزاك الله خيراً سيدنا، سيدي أيضاً اليوم ربنا جلَّ جلاله نسمع قوله تعالى الذي كنتم تكرِّرونه:
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾
ما تجليات هذه الآية؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
يعني لو اجتمعت قوى الأرض كلها على إنهاء جبل قاسيون الصغير لا يستطيعون، الله ذكر تشبيه مُذهِل (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) بعدها مباشرةً قال:
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47)﴾
يوجد أمن الإيمان، واليأس لا يستحقه المؤمنون.
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)﴾
لو قال الله الأمن لهم لم يعُد قرآناً، ولغيرهم، لهم الأمن، والتقديم والتأخير أصبح هناك حصر، (أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) .
الدكتور بلال نور الدين:
جزاك الله خيراً يا سيدي، كان شيخنا جزاه الله خيراً، دائماً في الأردن، وجزى الله أهل الأردن كل خير، لأنَّ الإنسان يجب أن يشكر الناس
(( من لم يشكرِ النَّاسَ لم يشكرِ اللَّهَ ))
دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان:
كان شيخنا دائماً يقرأ لي قوله تعالى:
﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ (46)﴾
وكان يقول لي: إن لم يُتح لنا أن نرى مصيرهم في الدنيا، فحسبنا أننا سنراه في الآخرة، لكن فضل الله عظيم، أراه مصيرهم في الدنيا، وسُيرينا مصيرهم في الآخرة، هذا فضلٌ من الله عظيمٌ جداً، ما فتئ يقول لي هذه الآية، في السيارة يقول لي يا بلال (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) ثم يقول لي: دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
يعني إذا جاء أول رمضان في أول نيسان، يأتوا كل ستٍ وثلاثين سنة مرة، لكن قال (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) يعني قد لا يُتاح للنبي وهو سيد الخلق، أن يرى دورة الحق والباطل، هذه دورة الحق والباطل ثابتة، لكن أمدها أطول من أمد الإنسان، فالإنسان ينتظر، يعني واحد وعدك بشيءٍ لا يُقدَّر بثمنٍ، وعدك
﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)﴾
فيها:
(( قالَ اللَّهُ: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. ))
ما هذا العطاء؟! يعني إذا واحد غني كبير يعيش مئة سنة، وهذه حالة نادرة جداً، يعني مئة وثلاثين أكبر واحد في مصر، أمّا أنت إلى أبد الآبدين، (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) فيها (ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ) أنت موعودٌ بالجنَّة، والجنَّة عطاءٌ ليس دونه عطاء.
ورود المؤمنين للنار يوم القيامة حتى يروا مصير الطُغاة فيها:
الدكتور بلال نور الدين:
سيدي اليوم إخواننا جميعاً، ونحن رأينا هذه الصور المُرعبة، كلنا نعرف الإجرام الذي كان عليه هذا النظام الفاجر، لكن رأينا صور مُرعبة لسجن صيدنايا والسجون الأُخرى، وما يفعلون بها، وهنا أذكر سيدي تعليقاً لكم على قوله تعالى:
﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71)﴾
ما معنى ورود النار؟ هل هو دخولها؟ لماذا نَرِد النار يوم القيامة؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
لأنها أخف من عذاب النفس
الدكتور بلال نور الدين:
يعني حتى يرى عدل الله فيها؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
طبعاً ورود النار غير دخولها، ورود النار لا يَمسُّك حرّها، ولا أي سلبية من سلبياتها، لكن نرى بأعيننا هذه مصير الطُغاة، مصير الطُغاة إلى مزبلة الأرض، والمؤمنون في أعلى علّيين.
(( وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه، أَنَّ رسُول اللَّهِ ﷺ أَتَى المقبرةَ فَقَال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَار قَومٍ مُؤْمِنينِ وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ لاحِقُونَ، ودِدْتُ أَنَّا قَدْ رأَيْنَا إِخْوانَنَا قَالُوا: أَولَسْنَا إِخْوانَكَ يَا رسُول اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابي، وَإخْوَانُنَا الّذينَ لَم يَأْتُوا بعد قالوا: كيف تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسولَ الله؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا لهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحجَّلَةٌ بيْنَ ظهْريْ خَيْلٍ دُهْمٍ بِهْمٍ، أَلا يعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بلَى يَا رسولُ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يأْتُونَ غُرًّا مَحجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأَنَا فرَطُهُمْ على الحوْضِ ))
يعني النبي الكريم أرسل هذه الدعوات رحمةً بنا (ودِدْتُ أَنَّا قَدْ رأَيْنَا إِخْوانَنَا قَالُوا: أَولَسْنَا إِخْوانَكَ يَا رسُول اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابي، وَإخْوَانُنَا الّذينَ لَم يَأْتُوا بعد)
(( يأتي على الناسِ زمانٌ الصابرُ منهم على دِينِه كالقابضِ على الجمرِ ))
(( أنه سأل رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - عن تفسير قوله تعالى لا يضركم من ضل إذا اهتديتم فقال يا أبا ثعلبة مر بالمعروف وانهِ عن المنكر فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع العوام إن من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم للمتمسك فيها بمثل الذي أنتم عليه أجر خمسين منكم قيل بل منهم يا رسول الله قال بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون عليه أعواناً ))
[ رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه ]
الدكتور بلال نور الدين:
سيدي خلقنا الله على هذه الأرض، يعني كنت تقول دائماً: كان يمكن أن يكون الكفار في كوكب ونحن في كوكب.
الحق لا يقوى إلا بالتحدي فالإنسان إذا كان على الحق فليستبشر:
الدكتور محمد راتب النابلسي:
أولاً: الله على كل شيءٍ قدير، هو واجب الوجود لكن ما خَلق ما سواه ممكن الوجود، ما معنى ممكن الوجود؟ أي يكون أو لا يكون، أو يكون على ما هو كائن أو على خلاف ما يكون، يعني ألم يكن ممكن بنَص هذا النَص، أنَّ الله يضع الكفار في المريخ، كنّا ارتحنا منهم لا يوجد جهاد ولا مشكلة، ولا استعمار، وكل هذه السلبيات تنتهي، لكن الله أراد أن نكون معاً، على أرضٍ واحدة، وفي ظروفٍ واحدة، وفي أجرٍ كبير، لأنَّ الحق لا يقوى إلا بالتحدي، فلذلك الإنسان إذا كان على حق فليستبشر، الحق هو الله.
فلو شاهدت عيـناك من حسـننـا الـذي رأوه لما ولـيت عنـا لغـيرنـا
ولو سمـعت أُذناك حُسن خطابنا خلـعت عنك ثيـاب العُجب و جئتـنا
ولـو ذقت مـن طـعم المحـبَّة ذرةً عــذرت الـذي أضـحى قتيلاً بحـبنا
ولـو نسمـت مـن قربنا لك نسمةٌ لـمـُت غـريـبـاً واشــتياقـاً لـقربـنـا
ولـو لاح مـن أنـوارنـا لــك لائـحٌ تـركــت جـميـع الكــائنـات لأجـلـنا
فـما حبـنا سـهلٌ وكـل مـن ادّعـى ســُهـولتـه قـلـنـا لـه قـد جهـلـتـنـا
وأير ما فـي الحـب للصـبِّ قتـل وأصـعب من قـتل الفتى يومُ هجرنا
الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم يا سيدي، سيدي هل كنت تتوقع أن تجلس هذا المجلس هنا؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
والله ما كنت أتوقع هذا.
أعظم عطاء إلهي يناله الإنسان أن يقبله الله عنده:
الدكتور بلال نور الدين:
سيدي الناس، لا أقولها في وجهك، يعني شيخنا علّمنا في الدعوة أنه لا يقبل مدحاً، لكن أنا ما وجدت رجلاً في العالم الإسلامي بداعيةٍ إلى الله أجمع الناس على حُبه مثلك، ماذا صنعت سيدي؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
إذا عَلِم الله منك تطبيقاً لما تقول، وإخلاصاً فيما تقول كتب لك القبول، هذا قانون، أنا يغلب على ظنّي أنني أحب الدعوة المُعلمنة ،علم، وليس المُشخصنة، ليس أنا وحدي، إذا عَلِم الله منك تطبيقاً لما تقول، وإخلاصاً فيما تقول كتب لك القبول، أعظم عطاء إلهي يناله إنسانٌ في الأرض أن يقبلك عنده، في جنةٍ عرضها السماوات والأرض.
الدكتور بلال نورالدين:
وأنا أشهد، وأنتم تشهدون معي أليس كذلك؟ أنني ما سمعته قال شيئاً، إلا وكان أول المُبادرين لتطبيقه، يعني قوله يطابق فعله، هذه المصداقية كما يقول، وأشهد، هذا سرٌّ بين العبد وربه أنا لا أُزكّيه على الله، هذا الإخلاص سرّ، لكن أشهد أنَّ ما رأيته ينمُّ عن إخلاصٍ، لأنه ما كان يعمل لشخصه ولا لذاته، لذلك حارَ فيه أعداؤه.
كان يقول لي شيخنا: أنا أعمل في غفلةٍ من الزمن، اجتهدوا، كنّا في هذا المعهد هناك عندنا مئة طالب، كنّا شباباً صغار قبل هذا الشيب الذي لحق بنا، فكان شيخنا يقول لي: اجتهدوا نحن نعمل في غفلةٍ من الزمن، هذا النظام المجرم كيف يُعميه الله لا أعرف! كيف تركنا؟! لأنَّ الشيخ عاصَرَهم ويعرف إجرامهم، منذ عام 1963، شيخنا كان عمره ثمانٍ وعشرين سنة أو ثلاثين، كان يعرف إجرامهم، منذ هذه الثورة المزعومة، ثورة الثامن من آذار، يعرف كم هم مجرمون، فرغم ذلك كان يُعلِّم في المدارس، مُدرِّس لغة عربية، ما رأيت رجلاً علَّمه الشيخ راتب النابلسي إلا يقول: كان شيخنا الدكتور راتب النابلسي علَّمنا اللغة العربية، يُمرِّر فيها رسائل التوحيد ورسائل الإيمان، ثم يصعد على هذا المنبر فيعلِّم الناس دينهم، ثم أسَّس المعهد، ثم قال لي: عندي حلم أن أُنشئ مدرسة شرعية، فجاءته هذه الأرض، رحم الله الدكتور زياد الدين الأيوبي، الذي يسَّرها وهيأها، كان وقتها وزيراً للأوقاف، هيأ هذه الأرض، كيف نشأَت تسعة طوابق.
الشيخ يقول: هذا حلمي، فقط نويته لكن الله عزَّ وجل يسَّره لأنني نويته، كان يقول لي أُريد إذاعةً إسلامية تنشر الحق، فأصبحت دروسه في كل إذاعات العالم، أنتم اليوم مسرورين بالشيخ، وجمهوره بالعالم كله، أسأل الله أن يديم عليه الفضل، رحم الله شيخنا أبو محمد معراوي إمام هذا المسجد، أتذكر الآن بفضله العظيم، أنا كنت لا أجد أجمل من الصلاة وراءه، لا أُزكّيه على الله، عنده إخلاص أبو محمد رحمه الله، فأسأل الله تعالى أن يبارك بكم، ويحفظكم، ويجزيكم خير الجزاء، ويبارك بحياة شيخنا، كما قلت لكم نحن لا نريد أن نُثقل عليه.
همة الدكتور محمد راتب النابلسي على نشر الدعوة:
الأستاذ فاروق:
كنت مرَّةً في السفر مع سيدنا وعائدين من ماليزيا، وما أدراك أين ماليزيا؟! تسعُ ساعاتٍ بالطائرة، فقلت للشيخ سيدي سامحني على قلة الأدب، ألم تتعب؟ كفى، أرح نفسك، وكان الشيخ قد بلغ الثمانين من العمر، فأجابني إجابةً جزاه الله عنا كل خير، لم يترك لي مجالاً للكلام، قال لي: يا فاروق أنا أكرمني الله عزَّ وجل بهذه الدعوة إليه، إذا ربي سبحانه وتعالى أكرمني بالصحة والعافية، أنا موظفٌ عند الله لن أتأخر عن أي دعوةٍ إلى الله، والله نشهد هذا الشيء عن الشيخ، والدكتور بلال يعرف، أنا والدكتور بلال أمام الشيخ بعمر أولاده، وقد تعبنا، أتعبنا همّة الشيخ الله يتقبله.
ولا نُخفيكم سراً، أصبح الأمر علني، قبل شهر كان هناك دعوات من النظام الفاسد، الفاجر، المجرم، أن يرجع الشيخ إلى هذا البلد، فكان الشيخ يرفض ويقول دماء الشهداء لن تذهب، وآخر مرَّة من شهرٍ بالضبط، نشكر الله عزَّ وجل أن ثبَّتنا، ثبَّت شيخنا على هذا الجواب دائماً، أرسلوا له من القصر الجمهوري البائد وقالوا له: نحن نُرحِّب بك في هذا البلد، والمنبر جاهز لك، وتفعل ما تشاء لك الحرية، فأجبناهم إجابةً دبلوماسية خوفاً على هذا المكان والبناء، قلنا لهم: الشيخ الآن بصحةٍ وعافية، إن شاء الله عندما تتحسن الأمور إن شاء الله يكون خيراً، فماذا جاء منهم الجواب؟ هؤلاء الظلمة قالوا: قولوا للشيخ راتب النابلسي لن يرى سوريا إلا على الخريطة، وخسئت أعينهم ولقد رآها هو، وقد أراهم الله سوريا على الخريطة لهم، والشيخ جاء إلى بلده بحمد الله تعالى، يا ربنا لك الحمد، يا ربنا لك الحمد، يا ربنا لك الحمد.
كلمة شكر للمرابطين الذين حموا هذا البلد وبقوا فيها ومنعوا منها عبث العابثين:
الدكتور بلال نورالدين:
أنا بوجودكم أُريد أن أشكر بإسم شيخنا طبعاً، كل أخ ثبت في هذا البلد ورابط فيه، ولم ينافق، رغم الصعوبات، وأقام فيه شرع الله تعالى، أُريد أن أشكر الإخوة القائمين على هذا الصرح التعليمي التربوي العظيم، بدءاً بأخي اسمحوا لي الدكتور أنس، هؤلاء صمدوا، فأنا أقول للإخوة المرابطون نعرفهم، الدكتور أنس أقام على الثانوية، الأستاذ خالد من قبله ثم معه أقام على الثانوية، كل المدرسين والمدرسات، سيدنا أبو محمد الذي قام على المسجد، الوقت الآن لا يسمح لذكر كل الأسماء، جميع الإخوة الذين قاموا على الخدمة، كل الإخوة الذين بقوا في هذا المكان، هؤلاء نحن مدينون لهم، نضعهم على عيننا ورأسنا، نحن لم نأتِ لنقول لهم نحن كنّا وأنتم أين؟! لا، على العكس أنتم كنتم في رباطٍ وجهاد، كل إخواننا الموجودين في سوريا وهم على القهر ويعلمون أنهم على كل حاجزٍ ممكن أن يُأخذوا، لكن بقوا في البلد حتى يرعوا أولادهم ويثبِّتوا الناس، منهم من يدفع الأموال، كل ذلك عند الله معلومٌ، موجود، لكن المنافق شيءٌ آخر، أمّا المرابطون هم الأكثر، هم الذين حموا هذا البلد ومنعوا منها عبث العابثين، ومنعوا فيها ما يراد من هذه الميليشيات الطائفية الحاقدة، التي كانت تريد تغيير دين الناس وتغيير هويتهم، وأنا أقول دائماً: والله أعظم من نعمة زوال هذا النظام الفاجر، نعمة ذهاب هذه الميليشيات الطائفية، التي كانت تريد أن تُغيِّر، لكن خسئوا، أهل الشام أهل الأمويين، أهل الشام أصحاب الحضارة، أهل الشام أصحاب الدين والسُنَّة ولا يمكن لأحدٍ أن يُغيِّرهم في عقيدتهم، فلله الحمد والمِنّة والفضل على ذلك.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
اللهم أصلح لنا إسلامنا، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثِر علينا، أرضنا وارضى عنّا، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.
الدكتور بلال نورالدين:
والشكر لقناة الجزيرة أيضاً.
مراسل قناة الجزيرة:
يا شيخنا الحمد لله على السلامة، نوُّرتم الشام، عودة مُظفَّرة إن شاء الله، كيف إحساسكم شيخنا وأنتم راجعين؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
والله فرحٌ لا يعلمه إلا الله
﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾
هكذا حصل إن شاء الله
مراسل قناة الجزيرة:
مولانا رأيناكم في كل عواصم العالم الإسلامي، هل سنُحرَم من رؤيتكم؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
لا أبداً، أنا جاهز، هناك وفاء ومتابعة إن شاء الله.
مراسل قناة الجزيرة:
تحدَّثنا مع المصلين وهم داخلين ما شاء الله، مشتاقين لرؤياكم، ستُصلُّون الجمعة في هذا المسجد؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
إن شاء الله.
مراسل قناة الجزيرة:
وصيتك لمشاهدين الجزيرة مباشر يا مولانا.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾
عظيمٌ من الله (فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .
مراسل قناة الجزيرة:
كيف وجدتم المسجد والناس بالشام بعد العودة؟ فترة طويلة مولانا؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
كل شيءٍ وقع أراده الله، والعبادة خير، مع الإله أفعاله كلها خير، لكن هناك خيرٌ ظاهر وخيرٌ مُبطَّن.
مراسل قناة الجزيرة:
تعبتم مولانا ثلاثة عشر عاماً خارج الشام؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
الدعوة إلى الله تجارة، والتاجر مهما أطال الزبون يتحمله.
مراسل قناة الجزيرة:
ألم تشتاقوا للشام؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
طبعاً طبعاً، هذا شيءٌ ثابت
(( إنِّي رَأيتُ كأنَّ عَمودَ الكِتابِ انتُزِعَ مِن تَحتِ وِسادتي، فأَتبَعْتُه بَصري، فإذا هوَ نورٌ ساطِعٌ، عُمِدَ به إلى الشَّامِ، ألَا وإنَّ الإيمانَ إذا وَقَعَتِ الفِتنُ بِالشَّامِ. ))
(( سيخرجُ عليكم في آخرِ الزَّمانِ نارٌ من حَضْرَمَوتَ تحشُرُ النَّاسَ. قال : قلنا : بما تأمرُنا يا رسولَ اللهِ ؟ قال : عليكم بالشَّامِ ))
[ أخرجه الترمذي وابن حبان ]
ثلاثون حديثاً صحيحاً في فضل السُكنة بالشام.
مراسل قناة الجزيرة:
نتابع مشاهدينا الكرام أيضاً وصول الشيخ محمد راتب النابلسي، ثلاثة عشر عاماً قضاها مُهجَّراً، هذا مسجد النابلسي الذي اعتاد أن يُلقي فيه الدروس، الآن يصطف الناس للسلام على الشيخ محمد راتب النابلسي، الذي عاد إلى هذا المسجد بعد أن حُرم من إلقاء الخطبة فيه لمدة ثلاثة عشر عاماً.