الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
إرهاصات سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام قبل النبوة:
1- ولادته من أمّ من دون أب:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني والثلاثين من دروس العقيدة.
![](/images/articles/inside/1688759841.jpg)
تحدثنا في الدرس الماضي عن الدليل الرابع على رسالة الرسل، الدليل الأول: فحوى الرسالة، والدليل الثاني: شخصية الرسول، أي رسول عليهم الصلاة والسلام، والدليل الثالث: ما أنبئنا به الله سبحانه وتعالى في كتبه السابقة، والدليل الرابع: هو المعجزة، وقد تحدثنا عن المعجزة تعريفاً وبياناً وشروطاً في الدرس الماضي، وفي هذا الدرس سنورد بعض المعجزات التي خصّ بها الله سبحانه وتعالى رسله السابقين، فمثلاً سيدنا عيسى عليه وعلى نبينــا أفضل الصلاة والسلام، كان عيسى عليه السلام خاتمة أنبياء بني إسرائيل، وقد أرسله الله إليهم، وأنزل عليه الإنجيل، وأيّده بخوارق عادات باهرات، من هذه الخوارق ما كان إرهاصاً لنبوته، ومعنى إرهاصاً أي دليلاً مُسبقاً على نبوته، تمهيداً لنبوته، إثباتاً لنبوته، ومنها ما كان معجزة مرافقة لرسالته ليشهد الله له بصدقه فيما يُبَلغ عن ربه.
من إرهاصاته، أي من الأدلة السابقة لنبوته ولادته من أمّ من دون أب، من المعجزات التي كانت إرهاصاً لنبوته ولادته من أمّ من دون أب، شهد الله بذلك القرآن معلناً براءة أمه وحصانتها، موضحاً طريقة تكوينه في بطنها بوساطة نفخة من جبريل عليه السلام.
2 ـ تكلمه وهو صبي في المهد:
المعجزة الثانية من معجزات إرهاصات النبوة تكلُمه وهو صبي في المهد، وفي حكاية كلامه وهو صبي ووصف لحال أمه حينما جاءت إلى قومها تحمله قال تعالى في سورة مريم:
﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)﴾
نقف عند هذه المعجزة قليلاً.
من اعتقد أن السبب وحده كافٍ لإحداث النتيجة فهذا شرك:
الله سبحانه وتعالى حينما خلق الإنسان صممه على أن يتكاثر عن طريق الزواج، فالزوج والزوجة ينجبان أولاداً، هذه سنة الله في خلقه، وكأن سبب إنجاب الولد هو هذا الزواج، مع مرور الأيام ترسّب في أوهام الناس أن الزواج وحده هو سبب إنجاب الأولاد، وكأن الله سبحانه وتعالى لا دخل له في ذلك، أي إذا اعتقدت أن السبب وحده كافٍ لإحداث النتيجة فهذا شرك، السبب وحده لا يكفي، لابد من فعل الله سبحانه وتعالى، لذلك مادام الزوج والزوجة في العادة ينجبان أولاداً فربنا سبحانه وتعالى سيأتينا بأربع حالات خاصة: أن يأتي المولود من زوج بلا زوجة وهذه حال السيدة حواء، أو أن يأتي المولود من زوجة بلا زوج وهذه حال سيدنا عيسى، أو أن يأتي الطفل من دون أب ولا أم كما هي الحالة في سيدنا آدم، وقد يتزوج الرجل بامرأة والرجل شاب في ريعان الشباب والزوجة شابة في ميعة الشباب ولا ينجبان أولاداً، فهل السبب وحده كافٍ لإحداث النتيجة؟ الجواب: لا، أي أريد منكم أن تدققوا في هذا المثل، لو أن مصباحاً كهربائياً وُضِع في جهة ما من الغرفة ووُضِع إلى جانبه مفتاح كهربائي لا علاقة له بالمصباح إطلاقاً، ليس هناك اتصال بينهما، ووُضِع خط كهربائي سري إلى مكان يجلس فيه إنسان وبين المصباح، دخل إلى الغرفة داخل رأى مصباحاً ورأى مفتاحاً، فتوجه إلى المفتاح وضغط المفتاح فتألق المصباح، هذا الجالس على كرسي وثير في مكان بعيد بمجرد أن وضع الداخل يده على المفتاح ضغط من عنده الزر فتألق المصباح، فتوهم هذا الداخل أنه هو الذي أوقد أو حرك الزر فتألق المصباح، مع مرور الأيام كلما وضع هذا الداخل يده على الزر على المفتاح تألق المصباح، فتوهم صاحبنا أنه هو الذي يؤلق المصباح، هو، فهذا الجالس أراد أن يُعَرفه أن ضغطك لهذا الزر لا علاقة له بتألق المصباح، ولا يكفي ضغط الزر لتألق المصباح، فدخل مرة وتوجّه إلى المفتاح وضغط الزر فلم يتألق المصباح، وفي مرة ثانية جعله يدخل، وجعل المصباح يتألق من دون ضغط الزر، هذان الحادثان هدفهما أن يعرف هذا الداخل أنه ليس الذي يؤلق المصباح.
لذلك هناك نقطة مهمة جداً، أحياناً يقول لك: هذه البذرة مبرمجة، يوجد بالنواة عرى ملونة جينات تحمل مورثات عبارة عن تعليمات مرسومة على العُرى الملونة في الجينات، فهذه الخلية فيها نواة عليها جينات، الجينات هي خمسة آلاف مليون معلومة، أي أمر هي تُخَلِّق، هذه ملاحظة مهمة جداً، كلما قلنا: هذه النواة مسؤولة عن تشكل الجنين، وهذه الغدة مسؤولة عن تنظيم توازن السوائل، وهذه الغدة مسؤولة عن إحداث الاستجابات الكافية عند الخطر، وهذا المركز مسؤول عن توازن السوائل، وهذا المركز مسؤول عن التنفس، أي أنت أيها الدارس تعطي المادة فوق حجمها تجعلها عاقلة، تجعلها إنساناً مخططاً، عاقلاً، هذا شرك بالله عز وجل.
أوضح لكم هذا بمثل، لو أن إنساناً أراد أن يُشيد بناءً ضخماً، وجاء بأشهر المهندسين، بأمهر المهندسين، ورسموا له خرائط ومخططات بالغة الدقة، والروعة، مخطط الأساسات، الطابق الأرضي، الطابق الأول، الطابق الثاني، الطابق الثالث، مخطط للمجاري، مخطط للكهرباء، مخطط للمصاعد، أي جُمِعت هذه المخططات ودفع عليها مئات الألوف، جاء إلى موقع البناء ووضع هذه المخططات، كلها مبرمجة، بهذه المخططات طول الغرفة بالسنتمترات، الباب يُفتح إلى الداخل، هنا يُفتح إلى الخارج، عدد الدرجات في المخطط، وضع هذه المخططات على أرض البناء فكم من الزمن ينتظر حتى ينشأ البناء؟ هل يكفيه أن ينتظر سنةً؟ سنتين؟ ثلاث سنوات؟ مئة عام؟ ألف عام؟ فإذا قلت: يا أخي مبرمجة، هذه مخططات مبرمجة فيها كل شيء أين البناء؟ البناء يحتاج إلى مواد أولية، يحتاج إلى إسمنت، وإلى حديد، وإلى طلاء، وإلى بلاط، وإلى مواسير، وإلى وإلى، لا أدري كم من المواد يحتاجها البناء فهل تستطيع أن تقول: إن هذه المخططات مبرمجة وهي مسؤولة عن البناء؟ أي بناء؟ ما لم تأت بالمواد الأولية، فإذا جئت بالمواد الأولية ضع الإسمنت مع الحديد مع الطلاء مع البلاط مع الأدوات مع المواسير مع كل شيء وانتظر مع المخططات، متى يظهر البناء؟ لابد من عمال مهرة يُحوّلون هذه المواد الأولية إلى بناء، فإذا الواحد درس بالطب، درس ببعض العلوم الحيوية أن هذه الغدة مسؤولة مبرمجة عن موضوع توازن السوائل، وهذه الغدة مسؤولة عن التنفس، وهذه عن ضربات القلب، هذا وهم، هذا وهم، هذا شرك بالله، كمن يتوهم أنه كلما ضغط الزر تألق المصباح، يقول لك: أنا أشعله، لا، هذا الذي يشعله كلما ضغطت الزر هو الذي يشعله.
لكن أحياناً أراد أن يُلفت نظرك إلى حقيقة خطيرة وهي أنك لا تفعل شيئاً، الفعل كله بيده، فلذلك تقول لي: مبرمجة، فيها الخلية بالنواة، فيها عرى ملونة، فيها جينات، يوجد عليها معلومات خمسة آلاف مليون معلومة، هي تُحدد طول الإنسان، ولون جلده، ونوع شعره، ولون شعره، ولون قزحية العين، وطباعه، هذا كلام لا معنى له إطلاقاً، فربنا عز وجل من حين لآخر يريد أن يُعلمنا أن السبب وحده لا يكفــي لإحداث النتيجة، لابد من المُسبب الأول وهو الله سبحانه وتعالى، فإما أن يعطّل السبب وإما أن يلغيه.
انظر معنى التعطيل ومعنى الإلغاء، قد يكون الزوجان شابين، لا ينجبان أولاداً، الله عطّل السبب، دخل الداخل وتوجّه إلى المفتاح وضغط المفتاح فلم يتألق المصباح، ماذا فعل القاعد على الأريكة؟ عطّل السبب، وإما أن يلغيه يُحدث إنجاب أولاد من دون أب، كما هي الحال عند سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
نموذج من الأمثلة لبيان الحقيقة بأن الفاعل الحقيقي من وراء هذه الأسباب هو الله:
مثل آخر يوضح الحقيقة، هذه عقيدة، هذه أمور مهمة جداً، لو أنّ مطبعة من أحدث المطابع صُممت لطبع الورق على وجهين بشكل مستمر، أي بشكل لفائف مستمرة، على وجهين خمسة ألوان، هذه أحدث مطبعة، تطبع الورق المستمر لوجهين ولخمسة ألوان، هذه المطبعة مصممة تصميماً رائعاً جداً، أي خبرات العالم كله في مئة عام سابقة مجموعة في هذه المطبعة، هذه المطبعة تُشبه تصميم الخلق، أسطواناتها، أجهزتها الإلكترونية، فيها عقول إلكترونية، فيها قطع ضوئي، فيها أشياء دقيقة جداً، فيها تنضيد ضوئي، فيها لوحات التصوير، فيها لوحات اللمس، فيها تطابق الألوان، عمل كامل، هذه المطبعة بهذا التصميم، بهذه الأدوات، بهذه الأجهزة، بهذه التحكمات تُشَكّل الخلق، ما قيمة المطبعة من دون ورق ومن دون حبر؟ لا قيمة لها، الأوراق والحبر يُشَكل الإمداد أي التربية، وحينما يُضغط على الزر فتعمل الكهرباء عملها في المولدات، وتُحَرِّك عجلات المطبعة، هذه الكهرباء هي الإرادة الإلهية في إحداث الشيء تقريباً، صار عندنا خلق، وعندنا تربية، وعندنا تسييــر، فالشيء الذي تراه أعينكم فيه خلق، وفيه تربية، وفيه تسيير.
أدلة الكتاب والسنة حول موضوع الأسباب والتأثر بها ونسيان المؤثر:
لذلك علماء التوحيد لخصوا هذا كله في كلمتين فقالوا: عندها لا بها، أي عند الإرادة لا بالسبب، الشيء يحدث عندما يريد الله له أن يحدث، لا باتخاذ الأسباب، لذلك قال العلماء: اتّخذ الأسباب وتوكل على رب الأرباب، توكل على مُسبب الأسباب، فربنا عز وجل يعني أردت من هذا الكلام أن تعلموا أن السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة، لابدّ من فعل الله عزّ وجل في كل مرة، لذلك قيل: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)﴾
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، هذه هي عقيدة السلف الصالح، هذه هي العقيدة المستنبطة من آيات القرآن الكريم، فأن تقول مبرمجة، وهذه الغدة مسؤولة عن إحداث كذا، والبنكرياس مسؤول عن فرز الأنسولين الذي يُحرق السكر في الدم، والصفراء مسؤولة عن إفراز المادة الصفراوية لهضم المواد الدسمة، كلما واجهتك مشكلة تعزوها إلى عضو أو إلى غدة صمّاء أو إلى جهاز أو إلى خلية أو إلى نسيج، هذه مواد، هذه مواد لا تعقل، لكن الله سبحانه وتعالى حينما تجلّى عليها جعلها تقوم بهذه المهمات المعقدة، فعندها لا بها، فالبنكرياس مصمم تصميم رائع، صممه الخالق، وأمدّه الله بمواد خاصة عن طريق الدم، ثم سمح له أن يعمل بإشراف الله سبحانه وتعالى، لذلك لا يوجد مرض عضال، كل أجهزتك بيد الله سبحانه وتعالى، يُعْمِلها أو يُعطلها، من هنا نفسر ما يسميه الأطباء بالشفاء الذاتي، فسيدنا عيسى كن فيكون، لذلك كل إنسان ينجب أولاداً هذا الولد من خلق الله، يد الله التي صوّرته في الرحم، الرب هو الذي أمدّه بالغذاء، الخالق هو الذي خلقه على هذا الشكل، الإرادة الإلهية هي التي فعلت فعلها في تصويره في رحم الأم، فكل شيء يمكن أن تفهم من خلاله الخالق والرب والمسيّر، فهذه هي المعجزة الأولى لسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
وأما معجزاته فقد أرسل الله عيسى عليه السلام في قوم يُفاخرون بمهاراتهم بالطب بحسب مستوى زمانهم، فأجرى الله على يديه معجزات باهرات تُشاكل نوع مهارة قومه بحسب الصورة ولكن بمستوى لا يستطيع الطب بالغاً ما بلغ أن يصل إليها، فمن هذه المعجزات أنه يخلق من الطين كهيئة الطير، الآن أحضر نحاتاً نَاحِتاً طيراً قل له: انفخ فيه الروح، قال تعالى:
﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)﴾
هذه معجزة فوق طاقة البشر.
والثانية؛ أنه يمسح على الأكمه، والأكمه هو الذي ولِدَ أعمى، ما رأى النور في حياته، أنه يمسح على الأكمه فيبرؤه بإذن الله، هذه الثانية.
الثالثة؛ أنه يمسح على الأبرص فيشفيه بإذن الله، والبرص من أعقد الأمراض التي تستعصي على الطب.
والرابعة؛ أنه يحيي الموتى بإذن الله، بعضهم قال: بالنداء، وبعضهم قال: باللمس، قرأت كتاباً عن بعض العلماء الأفاضل الذين عاشوا في الشام، لكن يوجد قصة عن بعض العلماء أنا وقفت عندها، أن أحد العلماء جاءته امرأة تستفتيه في موضوع فماتت في بيته، فوكزها وقال لها: انهضي فنهضت، هذه لسيدنا عيسى، هذه إحياء الميت، قد يكون أغميت إغماءً كاملاً فلما أيقظها انتهت مدة الإغماء، ممكن، أما إحياء الموتى فهذه للأنبياء وليست للأولياء، هذه شطحة.
والمعجزة الخامسة؛ أنه صلى الله عليه وسلم يُنبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وهذا نوع من الاطّلاع على الأشياء المحجوبة والبعيدة، ونفوذ العلم بها إلى ما وراء الحُجب أي مستحيل، مهما كنت عالماً لا تعلم ما في بيت فلان من طعام أو شراب.
السادسة؛ أنه كفّ الله بني إسرائيل عنه حينما أرادوا قتله، وألقى شِبْهَه على من دلّ على مكانه ثم رفعه إليه:
﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)﴾
السابعة، أن الحواريين طلبوا من سيدنا عيسى عليه السلام أن يُنزِل الله عليهم مائدة من السماء ليأكلوا منها، ولتطمئن قلوبهم بالإيمان، فيَثبتوا على الإيمان ويتثبّتوا من صدق سيدنا عيسى، فدعا عيسى ربه فأنزل عليهم المائدة التي طلبوها فكانت معجزة كبيرة لهم، سيدنا عيسى له نوعان من المعجزات؛ نوع إرهاصي، بمعنى أنه جاء قبل بعثته، قبل نبوته، تمهيد لنبوته ورسالته، أنه وُلِد من غير أب، وأنه تكلم في المهد، والنوع الثاني رافق رسالته، ربنا سبحانه وتعالى في سورة المائدة ذكر كل هذه المعجزات.
ينبغي على المسلم أن يكون إيمانه وفق الكتاب والسنة لأن القضية مصيرية:
بالمناسبة لا تقبلوا مني شيئاً من دون دليل، أعيد على أسماعكم وأقول: إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مبتدعاً فالدليل، لا تقبل لا مني ولا من غيري حقيقة لها علاقة بالإيمان، يُبنى عليها مستقبلك وسعادتك من دون دليل، الدليل يجب أن يكون نصاً قطعي الثبوت قطعي الدلالة، والقرآن الكريم وحده مع ما تواتر من حديث رسول الله التواتر اللفظي، القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة المتواترة تواتراً لفظياً أو معنوياً هي نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، إذاً هذه أدلة قطعية، أو هناك دليل عقلي ويجب أن يطابق الدليل العقلي الدليل النقلي، لأن الدين يثبت بالنقل لا بالعقل وحده، يقول لك: أنا عقلي يقول لي إنَّ الصلاة ليس لها لزوم الآن، هذه مستحيلة، من أنت؟ هذا دين، شرع، لذلك لا تقبلوا مني ولا من غيري شيئاً إلا بالدليل القطعي قطعي الثبوت قطعي الدلالة، والدليل العقلي، النقلي والعقلي، لأن العقيدة خطيرة جداً.
هذه الأفكار و الحقائق من العقائد التي يجب أن تُعلم بالضرورة، ومن أنكرها فقد كفر، لذلك قال أحد الأئمة الكبار وكان أمام قبة رسول الله الخضراء فقال: ما جاءنا عن صاحب هذه القبة الخضراء فعلى العين والرأس، وما جاءنا عن غيره فنحن رجال وهم رجال.
وقال بعضهم: كل إنسان يُؤخذ منه، ويُردّ عليه إلا صاحب هذه القبة الخضراء.
حرر عقلك، تَعلّم تفهم الأمور فهماً منهجياً، فكرة تحتاج إلى دليل، آية قرآنية، يجب أن تكون قطعية الدلالة، سأقول لكم كيف؟ ربنا عزّ وجل قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
هذا قرآن، القرآن قطعي الثبوت، ولكن وجوب الصيام يُستنبط من هذه الآية بدلالة قطعية، أما لمّا ربنا عزّ وجل يقول:
﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)﴾
هل تستطيع أن تُكفّر شخصاً أكل الطعام قبل الفواكه؟ هل تستطيع أن تُكفّره؟ أخي هذه آية؟ لكن الدلالة منها ظنية، يُفهم منها أحياناً أنه يُستحسن أن تأكل الفاكهة قبل الطعام، أما هل هناك دلالة قطعية؟ لا، دلالة ظنية، لذلك الإنسان يُكفَّر متى؟ حينما يُنكِر الدلالة القطعية، هذه يُكفَّر بها.
المعجزات التي وردت في سورة المائدة بشأن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام:
الآن في سورة المائدة نصّ جمع كل هذه المعجزات قال تعالى:
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)﴾
كل هذه المعجزات التي منّ الله بها على سيدنا عيسى ابن مريم وردت في هذه الآيات الطِّوال من سورة المائدة، هذا سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
إن شاء الله في درس قادم نتحدث عن معجزات سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وقد نُعرِّج على معجزات بعض الأنبياء الآخرين، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)﴾
الملف مدقق