- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (035)سورة فاطر
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
في القرآن الكريم إشارات إلى آيات كونية:
أيها الإخوة الأكارم؛ مع الدرس الخامس من سورة فاطر، وقد وصلنا إلى الآية الحادية عشرة، وهي قوله تعالى:
مرة ثانية في القرآن الكريم من حين إلى آخر إشارات إلى آيات كونية، ولأن الله عز وجل جعل الآيات الكونية دالة عليه، وطريقاً إليه، وسبباً لمعرفته، حيث قال تعالى:
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ
إذاً كأن الله عز وجل يدعونا إلى أن نعرفه بهذه الطريقة، من هذا الأسلوب، بهذا السبب:
عجائب خَلق الله في الإنسان:
واليوم ربنا عز وجل يقول: أعصاب، هيكل عظمي، عظام متحركة، عظام ثابتة، مفاصل متحركة، مفاصل ثابتة، عضلات مخططة، عضلات ملساء، جهاز هضم، الفم، واللسان، والبلعوم، والمريء، والمعدة، والأمعاء الدقيقة والغليظة، والامتصاص، والكبد، والبنكرياس، والرئتان، والقلب، والدسامات، والأوردة، والشرايين، والغدد الصماء، والغدد ذات الإفراز الداخلي والخارجي، هذا الطفل الصغير الكبد تقوم بـ5000 وظيفة،
والقلب يضخ في اليوم الواحد ما يساوي 8 أمتار مكعبة من الدم، لو قرأت أي كتاب بين يديك، كتاباً بسيطاً جداً في التشريح لرأيت العجب العجاب، هذا الطفل مَن خلقه؟
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)﴾
كائن، أعقد كائن في الكون.
ماذا أقول لكم؟ لو أن الإنسان عُلّق من رجليه، وأسقيناه كأس ماء لصعد الماء نحو الأعلى على خلاف قانون الجاذبية، لأن المريء مجهز بعضلات دائرية تتقلص تباعاً، وتدفع الطعام نحو الأعلى، لو عُلِق من رجليه، الأشياء التي يمكن أن تقال عن جسم الإنسان شيء يفوق حدّ الخيال:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾
﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)﴾
هذا الخلق ألا ينبغي أن يلفت نظرنا؟ الله عز وجل يقول:
﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا
خبرته قديمة.
أنا قصدي أن الله عز وجل يبيّن لنا أن هذا الماء المهين 300 مليون حوين في اللقاء الزوجي، والحوين في رأسه مادة نبيلة مغلفة بغشاء رقيق، فإذا اصطدمت بالبويضة تَمَزق الغشاء فخرج هذا السائل النبيل، أذاب جدار البويضة، ودخل هذا الحوين، وتمّ اللقاح.
والله أيها الإخوة الأكارم؛ والله خَلْق الإنسان في الرحم شيئًا لا يُصَدّق، الولادة:
﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)﴾
شيء لا يصدق، الأعصاب، العضلات، الأجهزة، الغدد.
الإنسان ينام، حينما ينام ماذا يحصل؟ يحصل أن جسمه مؤلف من هيكل عظمي، وفوق العظام يوجد عضلات، وتحت العظام يوجد عضلات، فالعضلات التي فوق العظام وزنها يضغط على العضلات التي تحت الهيكل العظمي، حينما تُضْغط هذه العضلات تَضِيق لمعة الأوعية الدموية، تضعف التروية فيتقلب الإنسان، من الذي يعطي تنبيهاً للدماغ أنّ هذه المنطقة قد ضُغِطت، وضاقت لمعة الأوعية الدموية فيها فيتقلب الإنسان على شق آخر، وهو نائم، ربنا عز وجل قال:
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ
من الذي جعل هذا الإنسان يتقلب في الليل؟ ما بين 35 مرة إلى 39 مرة وهو لا يدري؟! ليس على جنب واحد، وإلا لوقع من على السرير:
من أعطى أمراً لهذه الحدقة تتسع إذا اشتد الظلام؟ ومن أعطى أمراً وأنت لا تدري كي تضيق إذا اشتد النور؟ راقب عينك بمرآة تتسع الحدقة إذا ضعف النور، وتضيق إذا أشتد النور،
صنع من؟
الإنسان لو أمضى كل حياته في التفكر بخلقه لما انتهى من عجائب هذا الجسم:
إذاً:
﴿
يوجد بالعين، يوجد بالأنف، يوجد بالأذن، يوجد باللسان، يوجد بجهاز الهضم، يوجد بجهاز الدوران، يوجد بجهاز التصفية، شيء عجيب جداً، هذه حقائق بسيطة جداً، يدرسها طلاب التعليم الثانوي، وفي الجامعة حقائق أعقد، والآن هناك بحوث ومعلومات أدق بكثير عن خلق الإنسان:
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)﴾
الإنسان يوجد بين يديه وسيلة إيضاح وأداة لمعرفة الله لا تنقضي طوال حياته، لو أمضى كل حياته في التفكر بخلقه لما انتهى من عجائب هذا الجسم العجيب.
إذاً: الله عز وجل يقول:لو أوكل الهضم إليك، تعشيت ونمت، البنكرياس ما أفرغناها، لا حول ولا قوة إلا بالله تأخرنا، ساعة البنكرياس، وساعة الصفراء، وساعة الأمعاء الدقيقة، توقفت ولم تعمل، وساعة الأمعاء الغليظة، أنا نائم، تجد اللعاب، والمريء، والمعدة الحركات، والمواد الهاضمة، وحمض كلور الماء، والبنكرياس من جهة، والصفراء من جهة، والإفرازات الداخلية، وحركة الأمعاء اللولبية، إلى أن يصبح هذا الطعام دماً، وأنت نائم.
حركة القلب، لو أن الإنسان أوكل إليه حركة قلبه، شيء صعب جداً، تتعطل أعماله كلها، لو أوكل إليه تصفية دمه، تتعطل أعماله كلها، لو أوكل إليه التنفس فقط، فهذا الرجل المريض اشترى أربعة منبهات، آوى إلى فراشه الساعة العاشرة إذاً: الساعة الحادية عشرة يأخذ حبة، يرجع ينام، الساعة الثانية عشرة يأخذ حبة، يرجع ينام، الساعة الواحدة يأخذ حبة، يرجع ينام، والساعة الثانية ليلاً يأخذ حبة:
معنى قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ:
الله عز وجل يقول:
من تناول الأطعمة والأشربة، هذه الأطعمة من أين جاءت؟ خطر في بالي وأنا في طريقي إليكم أن 1000 بذرة خيار وزنها 16 غراماً، هذه 1000 بذرة تعطي في شروط عالية جداً 16 طناً، فإذا كان الغرام أعطى ألفاً، والألف أعطت ألفاً، أي مليوناً، ألفَ ألف أي مليون ضعف، من أين جاء هذا الوزن؟ 16 غراماً وزن البذور تعطي 16 طناً، أليس من التراب؟ من التربة، الآن أُدخل إلى حقل زراعي تجد مجموعاً خضرياً كبيراً جداً، له وزن، فمن أين جاء هذا الوزن؟ من التراب.
المعنى الثاني: أن هذا الوزن الذي حصّلته فارق الوزن بين وزن الولادة والوزن الحالي هو من الطعام والشراب، والطعام والشراب من التراب، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)﴾
فعلام الكِبَر؟ إذا كنا من تراب ومصيرنا إلى التراب، والتراب يداس بالأقدام.
خفف الوطء ما أظـــــــــــن أديــم الأرض إلا من هذه الأجساد
سِرْ إن استطعت في الهواء رويداً لا اختيالاً على رفات العبـاد
* * *
هكذا يقول بعض الشعراء.
لقطات عن خلق الإنسان:
أنت شعرك له لون، العينان لهما لون، واسعتان، صغيرتان، أنف أقنى، أنف طويل، خد أسيل، شعر جعد، كل الصفات الدقيقة، حتى أدق الصفات مصممة بهذا البرنامج، برنامج زمني، هذا الحوين عليه خمسة آلاف مليون معلومة، والبويضة عليها خمسة آلاف مليون معلومة.
﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ
أنا أذكر لقطات غير منظمة أيضاً عن خلق الإنسان، كيف تنقسم هذه الخلية الملقحة، البويضة الملقحة، تنقسم إلى عشرة آلاف جزء من دون أن يزداد حجمها، لأنها تسير في نفق، لو ازداد حجمها لوقفت، وكيف تصل إلى الرحم، وكيف تنغرز بالرحم، وكيف تتجه الأوعية الدموية لتغذية هذه البويضة الملقحة؟ ثم كيف تتماوج؟ تصبح دماغاً، وتصبح أحشاء، وأعضاء، بشكل عجيبٍ عجيب، وفي الشهر التاسع هذا الطفل يولد من بطن أمه كائناً سوياً، له قوامٌ، وعضلات، وعظام، وأجهزة، وحواس، وغدد، وما إلى ذلك.
خصائص الذكر والأنثى بين الاتفاق والاختلاف:
أيها الإخوة الأكارم؛ قد لا تذكر كيف ولدت، ولكن ابنك يُعَلمك، هكذا كان أصلك، هكذا وُلِدت بهذه الطريقة، فربنا عز وجل يقول:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾
من جهة هما متشابهان من نفس واحدة، ومن جهة وليس الذكر كالأنثى، الأنثى مجهزة بكل الخصائص الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية لتكون أماً، زِيْد في عاطفتها، وزِيْد في حساسيتها، وزِيْد في انفعالاتها، واتجهت لأن تكون سكناً للرجل، والرجل زِيْد في قوته العضلية، وزِيْد في قوة محاكمته، وزِيْد في جلده ليكون كاسباً للرزق. فعَنْ عَائِشَةُ قَالَتْ :
(( تَبارَكَ الَّذي وَسِعَ سَمْعُه كلَّ شيءٍ، إنِّي لأَسمَعُ كَلامَ خَوْلةَ بِنْتِ ثَعْلبةَ، ويَخْفى علَيَّ بعضُه، وهي تَشْتَكي زَوْجَها إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ، وهي تَقولُ: يا رَسولَ اللهِ أكَلَ شَبابي، ونَثَرْتُ له بَطْني حتَّى إذا كَبِرَتْ سِنِّي، وانْقَطَعَ وَلَدي، ظاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إنِّي أَشْكو إليك، فما بَرَحَتْ حتَّى نَزَلَ جِبْريلُ بهؤلاء الآياتِ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ. ))
ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، أنا أُرَبّي، وهو لا يربي، وإن ضممتهم إليّ جاعوا ـ أنا لا أكسب الرزق، هو يكسب الرزق.
الذكر والأنثى كلٌّ له ميدانه:
الله عز وجل جعل الرجل له خصائص، والمرأة لها خصائص، متساويان تماماً في التكليف والتشريف، والثواب والعقاب، ومختلفان في البنى، لذلك أية عملية هدفها أن تَحِل المرأة محل الرجل، أو أن يَحِلَ الرجل محل المرأة فهي إفساد للحياة، إفساد كبير، كلاهما مساوٍ للآخر من حيث أنه مكلف بأركان الإيمان، وأركان الإسلام، ومستحق للثواب والعقاب، ولكن المرأة صُمِمت، وجُهِزت بوسائل وخصائص تعينها على أداء مهمتها في الحياة، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت:
نظام الزوجية في الكون:
حمل الأنثى ووضعها بعلم الله عز وجل :
أريد أن أوضح لكم ناحية، أنا حينما أنظر إلى أخ يحرك هذا الكأس، أقول: أنا أعلم ما تفعل، لأنني أشاهد ما يفعل، أما حينما أحركه بيدي فهذا أبلغ من العلم، إذا كنتَ تراقب حركة، وقلتَ: أنا أعلم ماذا حصل، هذا شيء طبعاً بديهي، أما حينما تحرك هذا الشيء بيدك فهذا أبلغ من العلم.
مَن الذي كوَّن هذا الجنين في بطن أمه؟ الله سبحانه وتعالى، يد مَن؟ هذا الرحم الذي حجمه تقريباً 7,5 سنتيمترات مكعبة، يصبح الرحم بحجم كبير جداً حينما يمتلئ بالجنين في تسعة أشهر، ثم هذا الرحم يتقلص تقلصات لطيفة متزامنة متدرجة، الطبيب يعرف أن بعد ساعتين تلد، أو بعد خمس ساعات، من التوقيت، من الزمن بين التقلصين، كل ساعة تقلص، كل خمسين دقيقة تقلص، كل أربعين، كل ثلاثين، كلما اقترب زمن التقلصين اقتربت الولادة، من جعل هذا الرحم يتقلص هذا التقلص اللطيف إلى أن يدفع الطفل إلى خارج الرحم فإذا دفعه تقلص تقلصاً عنيفاً، وشديداً، ليَسُد هذه الأوردة والشرايين التي تمزقت من الولادة، فإذا رأى الطبيب أو القابلة أنّ هذا الرحم صخري التكوين فالولادة سليمة، فإذا كان رخواً الحالة في خطر، معنى ذلك أن هناك نزيفاً، من جعل هذا الرحم يتقلص؟ هو يعقل؟ تقلصاً لطيفاً لطِيفاً ثم يتقلص تقلصاً عنيفاً،
العلماء يقولون: لو انعكست الآية لماتت الأم نزيفاً، والولد خنقاً، هنا انعكست الآية، لو تقلص الرحم تقلصاً عنيفاً، والجنين في داخله لمات الجنين، فإذا تقلص تقلصاً رخواً بعد الولادة لماتت الأم نزيفاً، فربنا عز وجل يقول:
شُبهةٌ لا قَدَم لها ولا ساق:
هناك شيء آخر، قد يقول قائل: الله عز وجل يقول:
﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ
لم يقل: ويعلم من في الأرحام، أي إذا توصل العلماء إلى تصوير الجنين، أو تحليل دمه، أو أخذ السائل الأمنيوسي، فعرفوا أن الجنين ذكر أو أنثى، وقد يخطئون حتى الآن، ليس معنى هذا أن الآية انتقضت، الله عز وجل يقول:
الموت أخطرَ حدثٍ عند الإنسان:
﴿
هذا تقديم اهتمام، تقديم خطورة، بما أن الموت أخطر حدث في حياة الإنسان إذاً هو من فعل الله عز وجل، ولا يستطيع بنو البشر مجتمعين أو متفرقين أن يُنْهوا حياة إنسان، هكذا عقيدتنا، قد يبدو لك في الظاهر أن فلاناً قتل فلاناً، المقتول يموت في أجله، إنهاء الحياة لا يمكن أن يكون بيد البشر، إلى أنه بيد خالق البشر، وإذا تمّ على يد البشر فبإذن خالق البشر، هذا كلام قطعي، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، إنهاء الحياة لا يكون إلا بيد الله عز وجل، فأن تقول: فلان طال عمره، وفلان قَصُرَ عمره، وفلان مات بحادث، وفلان لو لم يفعل كذا لما مات، لو أن الطبيب أسعفه لما مات، لو أن التخدير كان جيداً لما مات، كل إنسان محاسب عن تقصيره، أما أن تقول: فلانٌ أماتهُ قبل أجله فهذا شيء مستحيل.
قيمة العمر في العمل الصالح لا في مدته:
إذاً: هذا العمر قيمته لا بمدته، قيمته بما ينطوي عليه من عمل صالح، فلذلك إذا سألت الله عز وجل أن يطيل عمرك ليس معنى ذلك أن يزداد العمر أمداً، ولكن أن يزداد غنىً بالأعمال الصالحة، فالنبي عليه الصلاة والسلام عاش 63 عاماً، وكم من أمته من عاش فوق هذه السن! لكنه ترك أثراً في الحياة، لا ينمحي إلى يوم القيامة، ترك أثراً في مشارق الأرض وفي مغاربها، كان رحمة مهداة، ونعمة مزجاة، العلماء العاملون تركوا آثاراً كبيرة جداً، فلا تقس عمرك بمدته، قِسْهُ بما ينطوي عليه من عمل صالح، تماماً كما لو فتحت محلك التجاري أربع عشرة ساعة، وبعت بألف ليرة، وإنسان فتح محله ساعة واحدة وباع بمليون ليرة، هل يفتخر الذي فتح المحل أربع عشرة ساعة أنا أداوم حتى الساعة العاشرة ليلاً أما أنت فدوامك ساعة واحدة؟ مسكين على هذا الحظ، بهذه الساعة باع بمليون ليرة، وهذا الذي فتح محله أربع عشرة ساعة باع بألف ليرة، فقيمة العمل التجاري لا في أمد التجارة، بل في أرباحها، وكذلك قيمة العمر لا في أمده، بل في أعماله الصالحة، لهذا قالوا: إن الغنى غنى العمل الصالح، وإن الفقر هو فقر العمل الصالح.
المسارعة إلى الصالحات لأن الدنيا لا قيمة لها:
سيدنا موسى حينما سقى لهاتين المرأتين قال:
﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ
أنا فقير لعمل صالح، والذي يؤكد ذلك أن الإنسان حينما يغادر الدنيا، أو حينما يشعر بأن المغادرة قد اقتربت، حينما يشعر أن أجله أصبح قريباً لا يندم إلا على ساعة مضت لم يذكر الله فيها، أو لم يعمل فيها عملاً صالحاً، وقد ورد في الأثر أن الإنسان لو أنّ الدنيا كلها بيديه، كل الأراضي في العالم لك، وكل المحلات التجارية لك، وكل الشركات المتعددة الجنسيات لك، وكل موارد الأرض لك، وجاء ملك الموت تتمنى أن تعطي كل هذا لمن يسمح لك أن يزيد العمر ساعة واحدة تؤدي فيها ركعتين لله عز وجل، هذه حالة الإنسان حينما يغادر الدنيا، فنحن والحمد لله في بحبوحة، نحن أحياء، والقلب ينبض، يمكن أن تتوب، يمكن أن تصحح الماضي، يمكن أن تعاهد الله عز وجل، يمكن أن تدع هذا العمل السيئ، يمكن أن تتخلى عن هذا المبلغ الحرام، يمكن أن تصطلح مع زيد، يمكن أن تستسمح من عُبيد، فما دام القلب ينبض فأنت في بحبوحة، فلذلك:
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)﴾
الإنسان مخير واختياره ينتهي عند الموت:
الآية الدقيقة:
﴿
أنت لك وجهة، لك أن تتجه إلى الحق أو إلى الباطل، إلى إرواء الشهوات أو إلى القربات، إلى أكل أموال الناس بالباطل، أو إلى إعطاء الناس الضعفاء مالاً حلالاً، لك أن تؤذي، لك أن تنفع، لك أن تستقيم، لك أن تنحرف، لك أن تعطي، لك أن تمنع، لك أن تؤمن، لك أن تكفر:
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)﴾
وأصبحت في قبضة الله عز وجل، تماماً كما لو أن الطالب في الامتحان يكتب، بإمكانه أن يكتب، وأن يصحح، وأن يضيف، وأن يحذف، وأن يحل هذه المسألة، فإذا قُرِع الجرس، سحبت الورقة من بين يديه، وانتهى، وصححت، ونالت علامة ثابتة، إما أنه ينجح، وإما أنه يرسب:
﴿
الآية دقيقة جداً، الآن أنت مخير، واختيارك ينتهي عند الموت، وإذا جاء الموت طالك أينما كنت، في فراشك، في الطائرة، في بلد أجنبي، قبل الزواج، بعد الزواج، بعد نيل الدكتوراه، قبل مزاولة العمل، قبل العرس بيوم:
من دلالات قوله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ:
إذاً:
(( عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا». وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». (بخاري: 6314) ))
النوم موت، لذلك ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة، والإنسان العاقل يسأل نفسه قبل أن يأوي إلى فراشه: كيف مضى هذا اليوم؟ ماذا فعلت؟ ماذا فعلت فيه عملاً ينفعني بعد الموت؟ ماذا عملت فيه عملاً يرضي الله عز وجل؟ هل عدتُ مريضاً؟ هل نصحت إنساناً؟ هل أمرت بمعروف؟ هل نهيت عن منكر؟ هل أصلحت ذات بين؟ هل وجهتُ أولادي؟ هل رعيت زوجتي؟ هل حققت هذه المصلحة؟ ربنا عز وجل قال:
﴿
كلام الناس في ندواتهم، في مجالسهم، في نزهاتهم، في رحلاتهم، في متاجرهم، في مكاتبهم، الموضوع الفلاني، والفلاني، هذا كلام لا طائل منه، ولكن ربنا عز وجل قال:
ملوحة البحر:
ولا تزال نظرية ملوحة البحر موضع بحث، كيف كان هذا البحر مالحاً أجاجاً، ولو كان هذا البحر عذباً فراتاً لفسدت هذه المياه، ولأفسدت، حكمة ما بعدها حكمة، أن هذه المياه مالحة، وكيف أن هذه المياه المالحة تصبح بعد حين عن طريق التبخر والسحب والأمطار مياهاً عذبةً تشرب، ألم تسمعوا أن أناساً كثيرين ماتوا وهم على سطح البحر عطشاً؟ أنا قرأت قصةً عن باخرة عظيمة غرقت في المحيط الأطلسي نجا قارب نجاة واحد عليه 60 راكباً، ومعهم ماء قليل، قائد هذا المركب أمر أن كل إنسان يشرب باليوم ملعقة ماء فقط، بحسب تقديره، فما وصل من هذا القارب إلى الشاطئ إلا راكبان فقط، لأنهم قتلوا بعضهم من أجل ملعقة ماء، رموا ببعضهم في البحر، من أجل ملعقة ماء، وهم على سطح البحر، فما قيمة حياتنا لولا هذا الماء العذب الفرات؟ هذه آية:
الآن يقول لك: تحلية المياه، يكلف متر الماء الواحد فيما سمعت خمسة عشرَ ريالاً تقريباً، أجرة تحلية اللتر من المياه تقريباً، المبلغ ضخم أغلى من البنزين، نحن عندنا التحلية مجاناً، تتم عندنا من نبع الفيجة نأخذها خالصة، وقد سمعت خبراً من أيام أن الماء الفائض عن نبع الفيجة 35 متراً مكعباً في الثانية الذي يلقى في نهر بردى،35 متراً مكعباً في الثانية ماء عذب فرات.
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30) ﴾
الله جلّ جلاله في علاه، لو أن الماء مالح، في بعض البلاد الآبار كلها مالحة، جانب البحر تأخذ من ملوحته، شيء لا يحتمل:
عجائب الأسماك:
رضعته الواحدة 300 كيلو من الحليب من أمه، في اليوم يرضع ثلاث مرات طناً من حليب، يفتح فمه ويتحرك، وجبته المعتدلة أربعة أطنان حتى يشعر بالشبع، هذا بالنسبة للحوت، وهناك أسماك صغيرة جداً، فسفورية، سوداء، شفافة، لها ذيل، لها أرجل،
التنوع بعالم الأسماك شيء يُحيّر العقول، الله سبحانه أعطى هذا السمك جهاز ضغط، هناك خط على السمك بالقسم العلوي، هذا الخط أنبوب مفرغ من الهواء، فكلما أوغلت السمكة في أعماق البحر ازداد الضغط، فعرفت موقعها من البحر، الله عز وجل زود السمكة بطريقة تعرف أين هي من سطح الماء،
وزودها بجهاز آخر، محفظة بأسفلها حبات رمل، وعند حبات الرمل يوجد أعصابٌ حساسة، فإذا كان ظهرها نحو سطح البحر تعرف ذلك، فإذا عُكِست الآية تشعر أنها الآن مقلوبة، معها جهاز آخر يُعَرّفُها أين الأعلى وأين الأسفل، الجهاز الأول ما بُعدها عن سطح البحر، والجهاز الثاني كيف وضعها وهي في الماء، نحو الأسفل أو نحو الأعلى، والجهاز الثالث إذا أرادت أن تطفو على سطح الماء صنعت الهواء من معدتها، السمكة قادرة على أن تصنع الهواء من الطعام، وتملأ به أكياسها الهوائية فتطفو، فإذا أرادت أن تغوص أطلقت هذا الهواء فغاصت، شيء عجيب جداً، وهذا السمك له زعانف للتوجيه، وزعانف للتوازن، وزعانف للحركة، وزعانف عرضية، وزعانف طويلة، وزعانف متأرجحة في الخلف، شيء رائع جداً.
في البحار أنواع من الأسماك عجيبة، هناك أسماك طبيبة، يقف أمامها السمك في طابور، إنها تعيش على الإنتانات في جلد السمك، وقد اتفق كل أنواع السمك على أن هذه السمكة لا تؤكل، معها حصانة، لأنها تقوم بمعالجة القروح التي في حراشف الأسماك، هذه كلها بحوث علمية، العلماء راقبوها، وذكروها، وصوروها، أي عالم الأسماك لا ينقضي، ربنا عز وجل قال:
كلُّ بحر له أسماكه بحسب خصائصه:
بالمناسبة الأسماك التي تعيش في المياه العذبة لا يمكن أن تعيش في المياه المالحة، والأسماك التي تعيش في المياه المالحة لا تعيش في المياه العذبة، والدليل:
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ
البرزخ بين كل بحرين يوجد حاجز لم تعرف طبيعته، لكن هذا الحاجز موجود فرضاً، لأن مياه كل محيط لا تختلط بالبحر الآخر، البحر الأحمر له كثافة، و له ملوحة، وله مكونات خاصة به، والبحر العربي له كثافة، وملوحة، ومكونات خاصة به، وقد رئي هذا في الأقمار الصناعية، مياه البحر الأحمر لن تختلط بمياه البحر العربي، أو الهندي، والعكس صحيح، هذا البرزخ، هذه الآية بقي علماء التفسير قروناً في حيرة منها، كيف جعل الله بين البحرين برزخاً؟! هذا البرزخ مجهولة طبيعته، لكنه مفترض وجوده، لأن مياه كل بحر لا تختلط بمياه البحر الآخر، لا من حيث الملوحة، ولا الكثافة، ولا المكونات، هذا شيء واضح، وثابت، الآن إذا ذهب شخص إلى البحر الأحمر يشعر أن الماء خفيف، أما في المتوسط فالماء ثقيل، يوجد فرق واضح جداً بين البحرين، ومع ذلك البحران متصلان، عند قناة السويس متصلان، وعند باب المندب متصلان، وهذا البحر لا يختلط بهذا البحر، و هذا من بعض بحوث علماء البحار عن طريق مركبات الفضاء، الله عز وجل قال:
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19)بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (20)﴾
وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا مصممة خصيصاً لتكون حلية للمرأة:
بقي كلمات قليلة: هذه المادة الكلسية الفسفورية التي يفرزها المحار على المادة الغريبة هي اللؤلؤة، العلماء صاروا يأتون بالمحار ويفتحونه، ويضعون فيه حبة رمل، ويضعون هذه المحارات في صناديق مفتوحة في عرض البحر، ويُنقّلونها من فصل إلى فصل، من مكان إلى مكان، هذه حبة الرمل يفرز حولها المحار مادة كلسية فسفورية يجعلها لؤلؤة، لكن هذه اللؤلؤة التي وضعتها أنت في المحار حبة رمل بمستوى فني أقل بكثير من اللؤلؤ الطبيعي، هذا اسمه: لؤلؤ مزروع، عندنا لؤلؤ صب صناعي، لؤلؤ مزروع هذا هو، لؤلؤ طبيعي، لؤلؤ طبيعي، في الطبيعي لا تجد وسط هذه اللؤلؤة أي شيء، صفاء ما بعده صفاء،
فربنا عز وجل صمم هذا اللؤلؤ ليكون حلياً للنساء، أي ليست قضية عشوائية، أن هذه الحبات مناسبة للمرأة، حينما خلقها الله عز وجل خُلِقت كما قال الله عز وجل:
تزويد الماء بقوة تماسك عجيبة بقدرة الله وحده:
أمسك أنت وعاء من الماء، ضعه في مستودع ماء، فقد نصف وزنه، فقد أربعة أخماس وزنه، معنى ذلك أن الماء يدفع نحو الأعلى، لولا هذه الخاصة لما استُخدم البحر ليكون أداة اتصال بين القارات، تعبيد طريق يكلف ألوف الملايين، أما البحر فهو طرق معبد، الباخرة حمولتها مليون طن، الآن يوجد بواخر تحمل مليون طن، وتسير في عرض البحر، وكأنه طريق ممهد.
ربنا عز وجل حينما صمم الماء بهذا الدافع القوي نحو الأعلى، هذا الذي أشارت إليه الآية الكريمة:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين