- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (025)سورة الفرقان
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الآيات الكونية تبين لنا طريق معرفة الله سبحانه وتعالى :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ مع الدرس العاشر من سورة الفرقان .
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
الله سبحانه وتعالى يحضنا على أن ننظر ونتأمل ونفكر :
شيءٌ آخر ؛ الله سبحانه وتعالى يحضنا على أن ننظر ، وفي آيات أخرى بشكلٍ واضحٍ صريح يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾
﴿ فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)﴾
﴿
وهذه الآية :
القرآن لكل زمانٍ ومكان وفيه دعوة إلى التفكر والتأمل وهذا هو طريق الإيمان:
من معاني قوله تعالى :
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ
هناك من جعل شهوته قبراً له ، هناك من جعله عمله قبراً له ، هناك من أصبحت حياته رتيبةً لا معنى لها ، طعامٌ وشرابٌ وراحةٌ ومتعة ونوم ، إذا أصبحت الحياة رتيبةً ، إذا استهلك الإنسان عمره استهلاكاً رخيصاً ، إذا فكَّر في وقته ، إذا أدرك لحظته من دون أن ينظر إلى ما سيكون فهو إنسانٌ أحمق ، لهذا قال عليه الصلاة والسلام : عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الكَيِّسُ مَن دانَ نفْسَه ، وعمِلَ لِما بعدَ الموتِ ، والعاجزُ مَن أتْبَعَ نفسَهُ هَواها ، وتمنَّى على اللهِ عزَّ وجلَّ . ))
فهذه دعوةٌ من الله عزَّ وجل ، الله سبحانه وتعالى يدعونا جميعاً ، لأن هذا القرآن لا لزمن النبي عليه الصلاة والسلام ، لكل زمانٍ ومكان ، ونحن معنيِّون بهذه الآية ، انظروا إلى الله عزَّ وجل كيف مد الظل ، هذا هو المعنى ، دعوةٌ إلى التفكر ، دعوةٌ إلى التأمل ، هذا هو الطريق الموصل إلى الله عزَّ وجل ، هذا هو طريق الإيمان :
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ
الكون تجسيدٌ لأسماء الله الحسنى :
لكن :
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23)﴾
وأكبر عقابٍ يعاقب به المقصِّرون :
﴿ كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ(15)﴾
أدلة كثيرة على قدرة الله ولطفه وحكمته من خلال الكون :
هناك ألف دليل ودليل على قدرة الله من خلال الكون ، هناك ألف دليل ودليل على لطف الله من خلال الكون ، هناك ألف دليل ودليل على حكمة الله من خلال الكون ، إذاً ربنا سبحانه وتعالى يقول : من أجل أن تطيعوني يجب أن تعرفوني ، وقد تحدثت في الخطبة اليوم من أن العبادة التي هي علة وجودنا على وجه الأرض بل هي غاية وجودنا ، إنما هي طاعةٌ طوعية ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية أساسها معرفةٌ يقينية تفضي إلى سعادةٍ أبدية ، هكذا ، إذاً من أجل أن نطيع الله طاعةً طوعية ، من أجل أن نحبَّه محبةً قلبية ، من أجل أن تنتهي بنا هذه الطاعة وهذه المحبة إلى سعادةٍ أبدية يجب أن نعرفه ، ولا طريق إلى معرفته إلا أن نتأمَّلَ في خلقه ، لأن طبيعة الإنسان لا تستطيع أن ترى الله عزّ وجل ولكنها ترى آثاره ، ترى آثار قدرته ، وآثار حكمته ، وآثار رحمته ، إذاً ربنا سبحانه وتعالى حينما يدعونا إلى أن ننظر إليه ، ننظر إلى أسمائه الحسنى وصفاته الفُضلى من خلال الكون :
(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ ؛ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ . ))
امتداد الظل دليل حركة الأرض حول نفسها ودليل كرويتها :
إذاً :هذا الظل ، اغرس قضيباً في تربةٍ ما ، وراقب ظل هذا القضيب ، اغرسه وقت الظهيرة ، لا ظلّ له ، تزول الشمس عن كبد السماء يمتد له ظلّ قصير ، وما يزال هذا الظلّ يمتد ويمتد ويَمتد إلى أن يصبح مثل طول القضيب ، ثم يمتد ويمتد إلى أن يصبح مِثْلَيْه ، وحينما يصبح الظل مثلي الأصل فهذا وقت العصر على أرجح الأقوال ، ويمتد هذا الظل ويمتد ، ما معنى يمتد ؟ معنى يمتد أن الشمس تتحرك حركةً ظاهرية ، وإذا تعمَّقت فإن الأرض هي التي تدور ، ويكفي أن يمتد الظل لتعرف أن هذه الأرض التي نحن عليه تسبح في الفضاء ، هذا هو الاستنباط ، بهذه الطريقة ترى أن السماوات والأرض في قبضة الله عزَّ وجل .
كيف يمتد الظل لولا أن الشمس تتحرك ؟ أو لولا أن الأرض تتحرك ؟ لا بدَّ من حركة إحداهما ، بالعين المجردة نرى الشمس تتحرك ، وبدراسة واقع الأرض والشمس والقمر نرى أن الأرض هي التي تتحرك ، إذاً امتداد الظل دليل حركة الأرض ، هذه واحدة .
شيءٌ آخر ؛ امتداد الظل دليل كروية الأرض ، لو أن الأرض مكعبة الشكل لجاء الظل فجأةً واختفى فجأةً ، لأن هذا الشكل المكعب له حروف ، ضع مكعباً أمام منبعٍ ضوئي وحرك المكعب ، يأتي الظل دفعةً واحدة ويختفي دفعةً واحدة ، أما أن يمتد الظل رويداً روَيداً فهذا دليل أن الأرض كروية الشكل .
أساس نظام النبات الليل والنهار والفصول الأربع :
ودورة الأرض حول الشمس مع ميل المحور ينشأ عنها الفصول الأربع ، ولولا الفصول الأربع ، ولولا الليل والنهار لما أكل الإنسان لقمةً من طعامٍ أو شراب ، لأن أساس نظام النبات الليل والنهار والفصول الأربع ، إذاً من الذي حرَّك الأرض حول نفسها ؟ أدارها حول نفسها ؟ من حركها حول الشمس بسرعةٍ تزيد عن ثلاثين كيلو متراً في الثانية ؟
نحن في هذا الدرس إذا أمضينا ساعةً في شرح هذه الآيات معنى ذلك أن الأرض تسير ، هذا شيء بديهي ، من أولويات علم الفلك ، الأرض تسير ثلاثين كيلو متراً في الثانية ، ضرب ستين في الدقيقة ، ضرب ستين في الساعة ، ثلاثون ضرب ستين ضرب ستين أي مئة وثمانية وثلاثون ألف كيلو متر تقطع الأرض ونحن في هذا المسجد ، بهذه الساعة بالذات :
الشمس هي دليل وجود الظل ولولاها لما كان الظل :
وفي هذه الحرارة تستحيل الحياة ، أما الوجه الآخر البارد فإن الحرارة تنخفض إلى مئتين وخمسين درجة تحت الصفر والحياة أيضاً مستحيلة ، إذاً يكفي أن يصبح الظل ساكناً لا يمتد تنتهي الحياة .
شيءٌ آخر ؛ حركة الظل حركةً لطيفة ، أنت إذا نظرت إلى أشعة الشمس أو إلى ظلّ الأشياء ترى الظل ثابتاً ، فإذا تشاغلت فترةً من الزمن تراه قد انتقل من مكان إلى مكان ، كعقارب الساعة تراها واقفةً متحركة ، واقفةً إذا نظرت إليها ، فإذا غبت عنها فترةً زمنية محدودة رأيتها في مكانٍ آخر ، وهذا من لطف الله عزَّ وجل ، إذاً امتداد الظل دليل حركة الأرض حول نفسها ، وامتداد الظل دليل كروية الأرض ، فلو أنها مكعَّبة لظهر الظل فجأةً واختفى فجأةً :
زيادة سرعة الأرض بلطف شديد وتباطؤها بلطفٍ شديد يجعل الحياة مستمرة عليها:
الإنسان لا ينبغي أن يمر هكذا ؛ أن يرى الشمس والقمر ، أن يرى النجوم ، أن يرى الأبراج ، أن يأتي عليه صيفٌ وشتاءٌ وربيعٌ وخريف ، أن تأتي عليه برودةٌ وحرارة ، جو رطبٌ وجو جاف ، أمطارٌ وثلوج ، وهكذا كما لو أن عقله مُعَطَّل :
﴿
دورة الأرض حول الشمس من آيات الله العظيمة ، بل إن حركة الأرض حول الشمس ترسم مداراً إهليلجياً بيضوي الشكل ، وتختلف أبعاد هذا المسار عن مركز هذا الشكل البيضوي ، فإذا كانت الأرض في المنطقة القريبة من المركز ربما انجذبت إلى الشمس ، ومع انجذاب الأرض إلى الشمس تنتهي الحياة ، عندئذٍ تأتي يدُ القدرة والعلم ، تأتي يد الحكمة واللطف فتزيد من سرعتها شيئاً فشيئاً ، حتى ينشأ من زيادة هذه السرعة قوةٌ نابذةٌ تكافئ القوة الجاذبة ، صنع من ؟ يد من ؟ تقدير من ؟ حكمة من ؟ علم من ؟ إنه الله سبحانه وتعالى ، هذا لطف الله عزَّ وجل ، لو أن الأرض زادت من سرعتها دفعةً واحدة لتحطَّم كل ما عليها ، ولو أنها أبطأت دفعةً واحدة لارتطم كلُّ ما عليها ، ولكن الزيادة بلطف شديد ، والتباطؤ بلطفٍ شديد.
تحرك الأرض حول نفسها يجعل الظل متنقلاً من مكان إلى آخر وهذا من نِعَمِ الله تعالى :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
طبعاً إذا وضعت قضيباً ، غرسته في أرضٍ ، رأيت هذا الظل من بعد الزوال يمتد نحو الشرق شيئاً فشيئاً إلى أن يصبح طوله مثل طول العود ، ثم مثليه ، ثم أربعة أمثاله ، ثم تغيب الشمس فينعدم الظل ، فإذا أشرقَت الشمس من المكان الآخر من الشرق ، هذا المكان الذي كان ظلاً ظليلاً ، أصبحت فيه شمسٌ منيرةٌ وقد تكون محرقة في أيام الصيف ، الذي له بيت له شرفات من جهات مختلفة ، هذه الشرفة من الصباح وحتى الظهيرة كلها شمسٌ محرقة ، لكن بعد الظهر يأتي الظل الظليل ، وهذا من رحمة الله عزّ وجل .
إن تحرك الأرض حول نفسها يجعل الظل متنقلاً من مكان إلى مكان ، وهذا من نِعَمِ الله أيضاً ،
نعمة الليل والنوم من نِعَم الله تعالى علينا أيضاً :
لولا الليل والنهار لما عرفنا الأعمار ولا الأوقات ولا الأزمنة ولما انتظمت حياتنا :
لولا الليل والنهار لما عرفنا أعمارنا :
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ
فلان عمره ثلاثون عاماً ، معنى ذلك لولا أن الأرض تدور حول نفسها ، صار ليل ونهار ، سبعة أيام تصبح أسبوعاً ، سبع دورات تصبح أسبوعاً ، ثلاثون دورة شهراً ، ثلاثمئة وخمس وستون دورة تعد سنة ، ثلاثون سنة ، لولا الليل والنهار لما عرفنا الأعمار ، ولما عرفنا الأوقات ، ولا الأزمنة ، ولما انتظمت حياتنا ، من الذي جعل الشمس في السماء ساعة يدبّ عقرباها إلى قيام الساعة ؟ الشمس ساعة ، والقمر تقويم ، أصبح الظهر ، قرب العصر ، غابت الشمس ، من دون ساعة ، الشمس هي ساعة ، الشمس في كبد السماء ساعة ، والقمر تقويم .
الله عزَّ وجل جعل النهار نشوراً والليل سَكَنَاً ولباساً وهذا فضل عظيم منه:
(( سبحانَ اللهِ أينَ الليلُ إذا جاءَ النهارُ . ))
تجد ظلاماً دامساً ، الأماكن موحشة ، الإنسان يخاف أن يمشي في الغابة ليلاً ، الغابة في الليل موحشة ، الكهوف موحشة ، بعض الطُرُقات موحشة ولاسيما إذا كانت مظلمة ، ولكن إذا طلعت الشمس تغدو الأرض مؤنسة ، مريحة ، تنطلق إلى الحقول والبساتين ، إلى الجبال ، قد تركب البحر في النهار فترتاح نفسك ، أما إذا ركبته في الليل فقد تخاف نفسك ، جعل الله الليل سَكَنَاً ، جعله سُباتاً ، جعله لباساً ، وجعل النهار معاشاً ، هذه كلها من آيات الله الدالة على عظمته .
أيها الإنسان هلا فكرت فيها ؟ هلا وقفت عندها ؟ هلا تأمَّلت فيها ؟ ماذا تفعل ؟
الهواء ينقل الحرارة والبرودة والضوء والصوت :
لا يوجد حالة ثالثة ، أما في الأرض هناك أشعة الشمس ، وهناك ظلامٌ دامس ، وهناك حالةٌ ثالثة بين هذا وتلك ، حالة الضياء ، الغُرف في النهار مضيئة بلا أشعة شمس ، الفضل في هذا يعود إلى الله عزَّ وجل ، من خلال تسخير الهواء لانتثار الضوء ، ذرَّات الهواء تصبح مرايا صغيرة تعكس الضوء ، فإذا البيت مضيء وأشعة الشمس ليست فيه ، فالهواء ينثر لكم الضوء ، والهواء ينقل إليكم الأصوات ،
رواد الفضاء بالقمر يتحادثون عن طريق اللاسلكي ، ولولا أن الهواء في داخل بذلتهم الفضائية لما أمكنهم الحديث ، لكن لو أن الإنسان وقف على سطح القمر من دون بذلة فضائيَّة وخاطب أخاه الإنسان لا يسمع شيئاً ، لو وضع مدفع كبير على سطح القمر وأطلق قذيفته لا تسمع شيئاً ، لكن الهواء في الأرض ينقل لك الصوت ، ينقل لك الضوء ، ينقل لك الدفء ، أنت تدفِّئ هواء الغرفة عندئذٍ تشعر بالدفء يسري في أعضائك ، أنت تبرد هواء الغرفة تشعر بالبرد يريح أعصابك أحياناً ، إذاً الهواء ينقل الحرارة ، ينقل البرودة ، ينقل الضوء ، ينقل الصوت .
من حكمة الله عزَّ وجل أنه جعل الهواء مرتبطاً بالأرض :
الهواء جسمٌ لطيف ، ولكن هذه الطائرة التي يزيد وزنها عن ثلاثمئة وخمسين طن من الذي يحملها ؟ الهواء ، كيف هو ؟ هو جسمٌ لطيفٌ فيما يبدو لك ، ولكن الهواء إذا سار دمَّر كل شيء ، الأعاصير تجعل المدن دياراً خربة ، مدن بأكملها ، أبنيةٌ شاهقة ، المعامل ، المصانع ، المنشآت ، تصبح كلها أنقاضاً ، فالهواء إذا تحرَّك حركةً عنيفةً دمَّرَ كل شيء ، سرعة هذه الأعاصير تزيد عن ثمانمئة كيلو متر في الساعة ، يكفي أن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الغلاف الهوائي مرتبطاً بالأرض ، فلو أن الأرض دارت وحدها ، وبقي الغلاف الهوائي ثابتاً لنشأ على الأرض أعاصير تزيد سرعتها عن ألف وستمئة كيلو متر ، أي تدمر كل شيء ، هذه حكمة الله عزَّ وجل على أنه جعل الهواء مرتبطاً بالأرض ، فالهواء لو أنه تحرَّك حركةً شديدة دمَّر كل شيء ، لذلك كان النبي إذا رأى رياحاً تعوَّذ بالله من شرها ، سأل الله خيرها واستعاذ بالله من شرها .
نظرية حركة الهواء :
فَرَّقَ النبي عليه الصلاة والسلام بين الرياح وبين الريح ، الريح الصرصر العاتية :
﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا
الهواء يتمدد ، وإذا تمدد تخلخل ، وإذا تخلخل ضعف فيه الضغط ، قلَّ الضغط ، والهواء إذا برد تكاثف ، وإذا تكاثف ارتفع الضغط ، عندئذٍ ينتقل الهواء من أماكن الضغط المنخفض إلى أماكن الضغط المرتفع ، هذه هي نظرية حركة الهواء ، من وجود مناطق باردة في الشمال قطبية ، ووجود مناطق استوائية في الوسط ، ووجود سواحل فيها رطوبة عالية ، وفيها حرارة ، ومن وجود أماكن قاحلة كالبوادي ، أو الصحارى ، أو القفار ، من تباين مناطق الأرض ، من تباين الحرارة والبرودة ، تبعاً لخطوط الطول والعرض ، وبعدها عن سطح البحر ، وعن مستوى سطح البحر هذا كله يعين على تشَكُّل الرياح ، والرياح تسوق السحاب ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22)﴾
ماء السماء طاهرٌ مُطَهِّر :
وهو أعلى درجة من الطهارة ، هناك ماءٌ طاهرٌ غير مُطَهِّر ، هناك ماءٌ طاهرٌ مطهر ، هناك ماءٌ غير طاهرٍ وبالتالي غير مُطَهِّر ، ماء السماء طاهرٌ مُطَهِّر ،
الماء الذي وهبه الله للإنسان فيه صفات عالية جداً :
في الوقت نفسه هذا الماء لا ينضغط ، لو وضعت متراً مكعباً من الماء في مكبس ، ووضعت فوقه ثمانمئة طن لا ينضغط أبداً ، فإذا تمدد الماء دمَّر كل شيء ، بل إن تفتيت الصخور الآن يتم عن طريق حفر ثقوب في الصخور وإملائها بالماء ، ثم تبريد الماء ، عندئذٍ الصخر ينشق ، وهناك شيء مهم جداً في الماء ربما لا يصدق الإنسان أن حياتنا مبنيةٌ عليه ، الماء إذا برَّدته ينكمش شأنه شأن كل عنصر ، ينكمش وينكمش إلى درجة ( +4 ) عندئذٍ تنعكس الآية فيتمدد ، لو أن الماء ينكمش عند التبريد لانتهت الحياة من على وجه الأرض ، كلما جمد سطح البحر زادت كثافته فغاص في أعماق البحر ، ما هي إلا سنواتٌ عدَّة حتى تتجمَّد كل المحيطات ، ينعدم التبخر ، تنعدم الأمطار ، لا ينبت النبات ، يموت الحيوان ، يتبعه الإنسان ، لو أن الماء انكمش مع التبريد ، من خلق في الماء هذه الصفة ؟ إن التعليل العلمي لانعكاس آية انكماش الماء من انكماش إلى تمدد هذه لها تفسير مُعَقَّد جداً ، كيف أن هذا السائل لو أنك بردته ينكمش ، طبعاً بدرجات تقاس بأجهزة دقيقة ، لكن حينما تصل الدرجة إلى (+4) تنعكس الآية فيتمدد ، هذه الظاهرة من صممها ؟ من خلقها ؟ من قننها ؟ من جعلها هكذا ؟ إنها من عند الحكيم الخبير .
إحياء الماء لكل شيء بقدرة الله :
الله عزَّ وجل قال :
انتقال الماء من مكان لآخر للفت نظر الإنسان إلى نعم الله وشكره عليها :
﴿
تأتي سنواتٌ مطيرة ، وتأتي سنواتٌ جافة ، في السنوات الجافة يجب أن نذكر الله عزَّ وجل ، يجب أن ندعوه ، يجب أن نبتهل إليه ، فهذا معنى قول الله عزَّ وجل :
ربما نعرف قيمة المطر في سنوات الجفاف ، قيمة المطر ، علاقتها بتوليد الكهرباء ، علاقتها بالمزروعات ، علاقتها بالثمار ، علاقتها بالمحاصيل ، علاقتها بمحصول القمح مثلاً ، بمحصول الشعير ، علاقتها بالأسعار ، هذا كله نعرفه في سنوات الجفاف ، ولكن البطل يجب أن يعرف نعمة الله في سنوات الرخاء ، لهذا ورد في الأثر : اللهم أرنا نعمك بكثرتها لا بزوالها
الفرق بين المؤمن والكافر في سنوات الرخاء وسنوات الشدة :
(( عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ ))
النبي عليه الصلاة والسلام جاءه جبريل فقال :عن أبي هريرة :
(( جلس جبريلُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فنظر إلى السماءِ فإذا ملَكٌ ينزلُ فقال جبريلُ هذا الملكُ ما نزل منذ خُلِق قبلَ الساعةِ فلما نزل قال : يا محمدُ أرسَلَني إليك ربُّك أفملكًا نبيًّا أجعلَك أو عبدًا رسولًا ؟ قال جبريلُ تواضعْ لربِّك يا محمدُ قال :
أي هذه من نعمة الله عزَّ وجل .
المعنى الثاني أن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الضمير :
﴿
أي سَهَّلَ الله للناس قراءة هذا القرآن ، سخَّر له علماء أشداء ، جهدوا في نقله ، وحفظه ، وضبطه ، وضبط آياته ، وسوَرِهِ .
تقنين الله عزَّ وجل تقنين تأديب ومعالجة لكن تقنين الإنسان تقنين عجز وضَعف:
(( عَجِبَ رَبُّنا تعالى مِنْ قَومٍ يُقادونَ إلى الجنَّة في السَّلاسِلِ . ))
أي بالمصائب ، بالضيق ، ربما كان نقص الماء ، نقص المواد ، لأن ربنا عزَّ وجل إذا قَنَّن فتقنينه تقنين تأديب ، تقنين معالجة ، لكن الإنسان إذا قنن تقنينه تقنين عجز وضَعف .
لحكمة أرادها الله بعث النبي عليه الصلاة والسلام للناس كافة :
وشيءٌ آخر ؛ ربما تقتضي مصلحة الإنسان أن يكون النبي واحداً في عصرٍ واحد.
على كلّ :
من أبواب الجهاد أن تتسلَّح بالقرآن الكريم علماً وعملاً:
الله تعالى أقسم بالكون على أن هذا القرآن كريم:
﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76) ﴾
أي أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بعده عنَّا أربع سنوات ضوئية ، وهذا الرقم يعني أنَّك لو توجهت إلى هذا النجم القريب القَريب القرِيب ، الذي لا يبعد عنا إلا أربع سنوات ضوئية ، وسرت إليه بسرعة السيارة ، لاستغرقت هذه الرحلة ما يقرب من خمسين مليون سنة ، إذا كان هذا النجم الذي يبعد عنا أربع سنواتٍ ضوئية يحتاج الإنسان ليصل إليه بسرعة السيارة إلى خمسين مليون سنة ، فمتى يصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ أربع سنوات نحتاج إلى خمسين مليون سنة ، أربعة آلاف سنة ؟ متى نصل إلى المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليون سنة ضوئية ؟ متى نصل إلى أحدث مجرة اكتشفت حديثاً تبعد عنا ستة عشر ألف بليون سنة ضوئية ؟
﴿
﴿
وجوب تعلُّم تلاوة القرآن وفهم آياته وتدبُّر أحكامه وتعليمه للناس وهذا جهادٌ كبير:
إذاً هذا القرآن :
ولا تنسوا أن الإنسان إذا علَّم هذا القرآن للناس ، وأحيا به نفساً واحدة فكأنما أحيا الناس جميعاً :
﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا
إذاً :
مياه كل بحرٍ لها مكوِّنات خاصة بها تختلف عن مياه بحر آخر :
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)﴾
بعض علماء البحار صوِّروا بعض المضائق من سفن الفضاء ، فإذا بين كل بحرين خط ، بين البحر الأحمر والبحر الهندي خط ، بين البحر الأبيض والبحر الأسود خط ، بين البحر الأبيض والمحيط الأطلسي خط ، هذا الخط عند اتصال البحرين ، هذا الخط متحرك ، مَرِن ، ما هو هذا الخط ؟ اكتشف أن مياه كل بحرٍ لها مكوِّنات ، لها كثافة ، لها درجة ملوحة ، لها درجة حرارة ، مياه كل بحرٍ لا تطغى على البحر الآخر ، فللبحر الأحمر ملوحته الخاصة به ، وللبحر الأحمر مكوّناته الخاصة به ، وللبحر الأحمر كثافته الخاصة به ، وللبحر الأحمر حرارته ، فإذا انتقلنا إلى المحيط الهندي ، له حرارته ، وكثافته ، وملوحته ، ومكوناته ،
البرزخ يمنع كل ماء من أن يطغى على الآخر لكن طبيعته غير معروفة حتى الآن:
من تصميم الله للأنهار أنه جعلها تهبط إلى البحر من مكانٍ مرتفع:
أما الحِجْرُ المحجور فهذا شيءٌ آخر ، هذا يمنع أسماك المياه العذبة من أن تنتقل إلى المياه المالحة ، ويمنع أسماك المياه المالحة من أن تنتقل إلى المياه العذبة .
الله سبحانه وتعالى جعل جميع المياه العذبة التي تصبُّ في البحر جعلها تهبط إليه من مكانٍ مرتفع ، فلو أن المياه العذبة سارت إليه بمستوى ماء البحر ، وجاء المد والجزر لطغت مياه البحر على كل الأنهار فجعلتها مالحة ، من تصميم الله للأنهار أنه جعلها تهبط إلى البحر من مكانٍ مرتفع ، لو أن القمر اقترب من الأرض ، الآن القمر يبعد عنا ما يزيد عن ثلاثمئة ألف كيلو متر ، أثر المد والجزر واضحٌ في المياه ، مياه البحار ترتفع عشرين متراً طولياً في المد وتنخفض عشرين متراً في الجَزر ، لو أن القمر اقترب من الأرض إلى نصف هذه المسافة لارتفعت مياه البحار أكثر من ثمانين متراً ، إذاً معظم المدن الساحلية والمناطق المحيطة بالبحار تنغمر بالمياه المالحة ، لو أن مياه الأنهار سارت إلى البحر بمستوى يقارب سطح البحر ، وجاء المد أو الجزر لطغت مياه البحار على الأنهار وأفسدت طعمها ، لذلك تصميم التضاريس التي من خلالها تنصبُّ المياه على البحار هذا تصميم حكيمٍ خبير ، بحيث لا تغطى مياه البحار على مياه الأنهار ، هذا تفسير آخر ، والقرآن حَمَّال أوجه ولا حدود لمعاني كلمات الله :
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)﴾
الماءٌ المهين هو الماء الذي خلق الله منه البشر :
خلق الإنسان آيةٌ أخرى دالة على عظمة الله عزَّ وجل:
هذه آيةٌ أخرى دالة على عظمة الله عزَّ وجل ، كيف أن الإنسان الذي خُلِقَ من ماءٍ مهين يصبح أعصاباً ، وعضلات ، وأوعية ، وقلباً ، ورئتين ، وجهازاً هضمياً ، وجهاز تنفُّس ، وجهاز إفراز ، وأعصاب حس ، وأعصاب حركة ، وعظاماً منوَّعة أنواعاً شديدة ، ومفاصل ، ودماغاً فيه ذاكرة ، وفيه محاكمة ، وفيه تصور ، وفيه تخيُّل ، وفيه إدراك ، وفيه إحساس ، هذا الإنسان كيف خُلِق من ماءٍ مهين ؟ وكيف رُكِّبَ الذكر ذكراً والأنثى أنثى ؟ تفاوت في البنية ، وفي الهيكل ، وفي الطباع ، وفي التفكير ، وفي وسائل التفكير ، هذا كله من خلق الله عزَّ وجل .
إن شاء الله في درسٍ قادم نقف عند هذه الآية وقفةً متأنية .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين