الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن والأربعين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والمنزلة اليوم منزلة الفكرة؛ أي التفكر.
أول شيء أيها الإخوة؛ هل تصدق أن أعقد شيء في الكون على الإطلاق دماغ الإنسان، فهو عاجز عن فهم نفسه، أي أكبر جهاز حاسوب في الأرض لا يرقى إلى واحد بالمليار من طاقات الدماغ البشري، هذا الفكر الذي أودعه الله فينا، هذا الجهاز الاستشاري الذي وُضِع تحت تصرفنا لماذا خلقه الله لنا؟ خلقه الله لنا كي نعرفه به، فاستخدمناه لهدف صغير صغير، ممكن تشتري مثلاً حاسوباً لتحليل الدم، يوجد حواسيب تخصصية ثمنها بالملايين، بعشرات الملايين، يمكن أن تشتري حاسوباً لتحليل الدم بخمسة وثلاثين مليوناً تستخدمه طاولة في البيت؟ أيفعله عاقل؟ حينما تستخدمه كطاولة تحتقره وتُعطِّل كل ميزاته، أما إذا استخدمته في مخبر تحليل، تأخذ به ملايين مملينة أرباحاً، المشكلة أن الله سبحانه وتعالى أعطاك فكراً من أجل أن تعرفه، فإن عرفته أطعته، فإن أطعته سلمت وسعدت في الدنيا والآخرة.
الآن الإنسان يستخدم ذكاءه وفكره من أجل كسب المال فقط، أو من أجل تثبيت مركزه في مكان أو آخر، أو من أجل أن يصل إلى أكبر قدر من الدنيا بأقل جهد، لكن الإنسان حينما يستخدم ذكاءه وفكره لغير ما خُلِق له، يوم القيامة يندم أشدّ الندم، هل يعقل أن يكون معك شيك بألف مليون دولار لم تنتبه له تستخدمه ورقة عادية؟ جمعت وطرحت عليها، ثم أتلفتها، ثم تكتشف أن هذه الورقة ألف مليون دولار، استخدمتها كورقة مسودة، مثل صارخ، ورقة مالية ذات قيمة، قيمتها ألف مليون دولار، أنت استخدمتها كورقة مسودة، كتبت كلمتين ثم مزقتها، ثم اكتشفت بعد حين أن هذه الورقة كانت ستغنيك إلى نهاية العمر، وتغني كل أفراد أسرتك، ممكن؟ هذا الذي يحصل، هذا الدماغ البشري، هذا الفكر البشري، أنت ممكن أن تصل به إلى أعلى درجة في الدنيا والآخرة، لو أعملته في التفكر في خلق السماوات والأرض، لكن ذكاء الناس، وفطنة الناس، وحكمة الناس المادية مصبوبة على الدنيا فقط، فهناك إنجاز دنيوي كبير لكن لا يوجد سعادة أبداً، لذلك منزلة التفكر وردت بشكل واضح في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
الإنسان لا يرى إلا حاجته على الرغم أنه يقف وجهاً لوجه أمام آيات باهرات:
قد ينشأ سؤال الآن؛ هؤلاء العلماء الكبار الذين في مخابرهم يرون من آيات الله الدالة على عظمته الشيء الذي لا يصدق، أي نحن ما غصنا في البحار، الآن يوجد سفن أبحاث مُصفّحة مع أضواء كاشفة، ترى بأم عينك في خليج مريانة الذي يبلغ عمقه اثني عشر ألف متر في المحيط الهادي، ترى أنواع الأسماك وترى الكائنات البحرية والنباتات البحرية، ممكن أن ترتاد الفضاء، والذين وصلوا إلى القمر، رأوا الأرض كرة من القمر، وصوروها، وهؤلاء الذين يرون الكائنات الدقيقة في المخابر الجرثومية، وهؤلاء الذين يرون المجرات العملاقة في التلسكوبات الفلكية، وهؤلاء الذين يُكبِّرون النُّسج البشرية فإذا منظر النسيج البشري شيء لا يصدق، هؤلاء لِمَ لم يؤمنوا؟ لِمَ لم تخشع قلوبهم لذكر الله؟ لِمَ لا يعرفون الله وهم يقفون وجهاً لوجه أمام آيات باهرات؟ أستطيع أن أقول لكم الجواب الشافي: الإنسان لا يرى إلا حاجته.
ومرة ضربت مثلاً طريفاً، إنسان يوجد عنده برميل في المطبخ، وصار هناك إشكال، والماء سال إلى غرف الضيوف، وأتلف السجاد، ويحتاج إلى جهاز توازن، فخرج من البيت لا يلوي على شيء، يبحث عن هذه الفواشة، هذا لا يرى شيئاً في الطريق، دخل إلى محل تجاري، قال له: يوجد عندي جهاز هاتف جديد، لا يرى شيئاً، لا يرى هاتفاً ولا يرى فازة ولا يرى تحفة ولا يرى قماشاً، يبحث عن هذه الحاجة، فالإنسان حينما يبحث عن حاجةٍ يُعدّ أعمى عن بقية الحاجات، فالذي شهوته هي إلهه:
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)﴾
الذي يبحث عن شهوته، يبحث عن مال وفير، يبحث عن جاه عريض، يبحث عن ذكر كبير، هذا لا يرى الحقائق، هذا شأنه شأن آلة تصوير غالية جداً جداً، لكن لا يوجد فيها فيلم، قد تلتقط أجمل المناظر، ولكن لعدم وجود فيلم لا ينطبع عليها شيء، فشأن الذكي، شأن العالِم الكبير، عالِم الفلك، عالِم الطب، عالِم الجراثيم، عالِم الفيزياء، عالِم الكيمياء، عالِم البحار، عالِم الجيولوجيا، شأن هؤلاء الأشخاص أنهم يعيشون مع حقائق مذهلة، ولكن هذه الحقائق لا تنقلهم إلى الله، لأنهم ما أرادوا أن يعرفوا الله، معنى هذا من أجل أن نُخزّن الصور لا نستفيد من آلة غالية جداً بلا فيلم، ونستفيد من آلة رخيصة جداً مع فيلم، هذا الفكر البشري أعلى جهاز خُلِق في هذا الكون، الإنسان أعقد مخلوق وأعقد ما فيه الدماغ، والدماغ طاقاته كبيرة جداً، وحتى الآن معظم علماء الطب يجهلون حقيقة الدماغ.
مشكلة الناس أنهم في زحمة الحياة يأتيهم ملك الموت فجأة دون أن يستعدوا له:
هذه المقدمة أردت منها، حاولت أن تستخدم فكرك لمعرفة الله؟ حاولت أن تجلس تتفكر في خلق السماوات والأرض؟ حاولت أن تجلس تقرأ القرآن متدبراً؟ حاولت أن تنسلخ عن الدنيا لساعة من الساعات وتقول: من أنا؟ لماذا أنا على وجه الأرض؟ ماذا بعد الموت؟ من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ هذه أسئلة كبيرة جداً، لكن مشكلة الناس أنهم في زحمة الحياة، من عمل إلى عمل، من صفقة إلى صفقة، من سهرة إلى سهرة، من لقاء إلى لقاء، من مشروع إلى مشروع، من نشاط إلى نشاط، يأكل ويشرب وينام ويعمل، ويأكل ويشرب ويعمل، إلى أن يأتيه ملك الموت فجأة دون أن يستعد له، هذه هي الطامة الكبرى، قال تعالى:
﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
قال بعض العلماء: التفكر تفكران؛ تفكّر يتعلق بالعلم والمعرفة، وتفكّر يتعلق بالطلب والإرادة، فالذي يتعلق بالعلم والمعرفة هو تفكّر، كي تميز بين الحق والباطل، والثابت والمنفي ، والتفكّر المتعلق بالطلب والإرادة كي تميز بين النافع والضار.
أيها الإخوة؛ هناك نظرية المعرفة، ما هي الحقيقة؟ ما قاله الناس؟ تعريف مضحك، ما قرأته في الصحف، تعريف يحتاج إلى ضحك شديد، ما هي الحقيقة؟ ما تناقلها الناس، ما استقرّ عليها المجتمع؟ لا، الحقيقة هي شيء مقدس جداً، إنك إن أردت الحقيقة وصلت إلى كل شيء، الحقيقة، والحقيقة من الحق، والحق الشيء المستقر والثابت والهادف، أي المعادن تتمدد بالحرارة، هذه حقيقة، حقيقة فيزيائية، هذه فوق المكان والزمان، والأهواء والنزوات، والقيل والقال، والأخذ والرد، والمناقشة، والرد والطعن، هذه حقيقة، فوق كل شيء، طبعاً أنا أردتها مادية، أما هناك حقائق كبرى؛ حقيقة وجود الله، والله الذي لا إله إلا هو تسعون بالمئة من الناس يتجاهلون هذه الحقيقة، يتعامل مع كل من حوله وكأن الله غير موجود، الذي يأكل مالاً حراماً لا يتعامل مع الله على أنه موجود، وعلى أنه سيحاسبه، الذي يعتدي على أعراض الناس ولو بالنظر، لا يتعامل في هذا السلوك مع إله سميع بصير، مُحاسِب دقيق، فلذلك التفكر يجب أن يصل بك إلى الحقيقة، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾
أقول لكم مثلاً: يوجد بالسيارة مصباح أحمر اللون، يتألق عندما يقلّ مستوى الزيت في المحرك عن الحد الأدنى، يشعل، هذا المصباح خطير جداً، إذا تألق المصباح، وأنت ما توقفت فجأة، المحرك احترق، وكلفك من ثلاثين إلى أربعين ألفاً، فإذا إنسان ظنّ أن هذه المصابيح الحمراء في السيارة مصابيح تزيينية يكون في جهل عميق، في جهل مخيف، هذا المصباح إذا تألق معنى ذلك أنت في خطر، يجب أن تقف فوراً وإلا يحترق المحرك، هذه الحقيقة، أما إذا توهم أن هذه المصابيح تزيينية، هو جاهل جهلاً كبيراً، وهذا الجهل مُدمّر، وسيجعل صاحبه يدفع الثمن باهظاً.
الحقائق يجب أن تكون أهدافاً لنا جميعاً، الحقيقة، الله موجود، هذه حقيقة، الله واحد، هذه حقيقة ثانية، الله كامل، حقيقة ثالثة، الدنيا فانية، حقيقة رابعة، مخلوق لحياة أبدية، حقيقة خامسة، ثمن هذه الحياة التزام بمنهج الله، حقيقة سابعة، مما يرفع شأنك في هذه الدار أن تعمل صالحاً، حقيقة ثامنة، فهل عرفت الحقائق الكبرى في الحياة؟ إن عرفت الحقائق الكبرى كما لو عرفت أن هذا الضوء إذا تألق يجب أن تقف فجأةً، وإن لم تعرف هذه الحقائق توهمت أن هذا الضوء إذا تألق فهو للتسلية، كي يُسليك في الطريق، هذا هو الجهل بعينه.
مرة مزارع اشترى لتر سماد، قال له البائع: يجب أن تذيبه في برميل من الماء، ثم ترش النبات بهذا السائل، هو من شدة حرصه على المحصول الوفير فصبّ في البرميل لترين من هذا السائل، استيقظ في الصباح أربعة بيوت بلاستيكية زراعة محمية اسودّت، مئتان أو ثلاثمئة ألف غلة هذه البيوت ذهبت أدراج الرياح بثانية واحدة، بليلة واحدة، هذا جهل، الحقيقة أن لتراً واحداً يُذاب في برميل، فالإنسان إذا عرف الحقيقة انتفع نفعاً كبيراً، وإذا لم يعرفها؟
سبب المشكلات التي يعاني منها الإنسان:
الآن كل شيء ترونه أمامكم شراً أساسه الجهل، ما من مصيبة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع، مرة اقتنيت مركبة، وما أتيح لي أن أترجم تعليمات الصانع، باللغة الألمانية، بعد حين أتيح لي أن أترجم هذه التعليمات، وجدت أن كل متاعبي، وكل النفقات التي لا لزوم لها، وكل المشكلات التي عانيتها، بسبب عدم فهمي، وعدم ترجمتي لتعليمات الصانع، مثل حيّ، وأقول لكم: كل المشكلات التي يعاني منها الإنسان من دون استثناء هي بسبب عدم تطبيق تعليمات الصانع، الصانع هو الله، وتعليماته هي القرآن، وتفسير تعليماته هي السُّنّة، وتطبيق تعليماته هي السُّنّة العملية؛ السيرة؛ فإذا قرأت القرآن، وقرأت السّنّة، وقرأت السيرة، فقد استوعبت تعليمات الصانع، وتفسيرات تعليمات الصانع، وتطبيقات تعليمات الصانع.
معرفة الحقيقة أخطر شيء في حياتنا:
أخطر شيء بحياتنا أن نعرف الحقيقة، إنك إن عرفتها ربحت ربحاً كبيراً، أنت دخلت مثلاً إلى غرفة، يوجد بالغرفة ألف قطعة صفراء لامعة، مئة قطعة ذهب أربعة وعشرين، مئة قطعة ذهب واحد وعشرين، مئة قطعة ذهب ثمانية عشر، مئة قطعة ذهب ستة عشر، مئة قطعة ذهب أحد عشر، مئة قطعة ذهب ثمانية، مئة قطعة نحاس مغمس مطلي بالذهب، مئة قطعة نحاس ملمع، مئة قطعة معدن أصفر خسيس لا قيمة له، وهذه القطع مختلطة؛ من هو العاقل؟ ومن هو الذكي؟ ومن هو الفالح؟ ومن هو الناجح؟ ومن هو الذي سيسعد بهذه القطع؟ الذي عنده جهاز يكشف له قطعة الذهب ذات الأربع والعشرين، يجمعهم مئة قطعة ويخرج، يكون أخذ أثمن ما في هذه الغرفة، نحن بحاجة إلى هذا الجهاز، الجهاز هو تعليمات الصانع افعل ولا تفعل، جئنا إلى الدنيا.
أحياناً تسمع تاريخ حياة عالم، جاء إلى الدنيا، عرف الحقيقة، فجعل من حياته طاعة، من ماله إنفاقاً، من حواسه انضباطاً، من فهمه معرفةً لله، من تكلمه دعوةً إلى الله، من إنفاق ماله قربة إلى الله، من لقائه بالناس دعوةً إلى الله فسعد في الدنيا والآخرة، وقد يأتي إنسان لا يعرف الحقيقة، يعيش ليأكل، يكسب المال ليتباهى به، يفعل كل الموبقات، وهو يتوهم أنه يفعل ما هو خير له، إذاً بالتفكر تعرف الحقيقة، وبالتفكر تمتلك الإرادة.
هناك حقيقة تصل بالإنسان إلى التفكر وحقيقة تعينه على الإرادة:
مرة كنا في سهرة، فيها عدة أطباء قلب، قُدِّم حلوى طيبة جداً عليها قشدة، فبعض الأطباء لم يأكل ولا لقمة، سأله أحدهم: لِمَ لم تأكل؟ قال لهذا السائل: أنا كل يوم أعالج مرضى شرايين قلوبهم مسدودة بفعل هذا الطعام، فأنا أكرهها كراهةً عقلية لا كراهة ذوقية، طعام طيب، لكن لشدة ما يرى من متاعب يعاني منها الإنسان حينما تُسدّ شرايين قلبه، قال لي: أنا أكره هذه الحلوى لا لأني لا أحبها؛ ولكني أكرهها كراهةً عقلية، هل ترى التفكر؟ التفكر أحياناً يُبعدك عن شيء محبب ويدفعك إلى شيء غير محبب، ما الذي ينفع الطالب؟ أن يدرس، ما الذي يسرُّه؟ ألا يدرس، يجلس مع صديقه، يتسلى، يقرأ مجلة، يتنزه بالطريق، هذا شيء يسرُّه، بحسب معلوماته سطحية، أما أن يقبع بغرفة يقرأ عشر ساعات، هذا شيء لا يسرُّه، لو استخدم عقله، واستخدم تفكره، قال: أنا حينما أتعب هذه السنوات أرتاح طوال حياتي، وبالفعل الطالب الذي درس ليس الآن، الآن يوجد ترتيب آخر، قديماً هذه بالثلاثينات، بالأربعينات، عندما كانت الدراسة مهمة جداً.
مرة يوجد كاتب مصري ألَّف كتاباً، فقال: يا ليت آباءنا كانوا التفتوا إلى تعليمنا في المدارس فكنا استغنينا عن التجارة، وذُلّ البيع والشراء، وترويج السلعة بالأقسام والأيمان، فما العيش إلا عيش الموظفين، هذه قبل مئة سنة أو قبل ثمانين سنة، كان الموظف يتقاضى راتباً خيالياً، أنا تعينت سنة ست وستين، وكان الراتب ثلاثمئة وخمسة وأربعين ليرة، وكانت الليرة الإنكليزي بسبعة وعشرين ليرة، فقسم ثلاثمئة وخمسة وأربعين على سبعة وعشرين واضربها بخمسة آلاف، كان راتبي في ذلك الوقت اثنين وسبعين ألفاً، كنت موظفاً، تصور موظفاً الآن راتبه اثنان وسبعون ألفاً، ممتاز جداً، فكانت الليرة بسبعة وعشرين ليرة سورية، الليرة الذهب أم الحصان، وكان الراتب ثلاثمئة وخمسة وأربعين ليرة، تقسيم سبعة وعشرين، ضرب خمسة آلاف الآن سعرها، كان الراتب في ذلك الوقت اثنين وسبعين ألفاً، فقال هذا الكاتب: فما العيش إلا عيش الموظفين، ببلد عربي أفتى المفتي هناك أنه يجوز دفع الزكاة للموظف، لشدة حاجته إلى المال.
على كلٍّ؛ العبرة أن الإنسان هناك حقيقة، هناك حقيقة تصل إليها عن طريق التفكر، وحقيقة أخرى تعُينك على الإرادة.
يقول هنا: التفكر تفكران؛ تفكر يتعلق بالعلم والمعرفة، وتفكر يتعلق بالطلب والإرادة، فالتفكر الذي يتعلق بالعلم والمعرفة تفكر التمييز بين الحق والباطل، والثابت والمنفي، والتفكر الذي يتعلق بالإرادة والطلب هو التفكر الذي يميز بين النافع والضار، فأنت حينما تستخدم الفكر البشري لتعرف الحقيقة وصلت إلى كل شيء، وحينما تستخدم الفكر البشري لتتعامل مع الحقيقة التعامل الإيجابي إذاً وصلت إلى كل شيء، عندك تفكيران؛ أن أعرف الحقيقة وأن أنتفع بها، وكل علم لا يبنى عليه عمل لا قيمة له، وكل علم لا ينتهي إلى العمل الجهل أولى منه.
مجالات التفكر:
الآن مجالات التفكر؛ أول مجال مجال التوحيد، استحضار أدلته، شواهد الدلالة على بطلان الشرك واستحالته، الألوهية يستحيل ثبوتها لاثنين:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)﴾
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)﴾
فهذا مجال للتفكر، استحضار أدلة التوحيد، استحضار أدلة بطلان الشرك، استحالة إثبات الألوهية لاثنين، استحالة إثبات الربوبية لاثنين، إبطال عبادة اثنين، ﴿إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ إبطال التوكل على اثنين، العبادة لا تصح إلا لإله واحد، هو إله الحق، وربّ الحق، وهو الله الواحد القهار، هذه موضوعات التفكر في التوحيد، يُبنى على هذا موضوعات التفكر في البراء والولاء، ما دمت تُوحِّد الله، ما دمت تعتقد يقيناً أنه لا موجود بحق إلا الله، الآن ينبغي أن تتبرأ مما سواه، وأن توالي من يواليه، هذا أيضاً موضوع للتفكر؛ الولاء والبراء، قال تعالى:
﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)﴾
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)﴾
إذاً الحقيقة الأولى التوحيد، يُبنى عليها البراء مما سوى الله، والولاء لله ورسوله، وأصحاب رسوله، والتابعين، والأولياء، والعلماء العاملين.
قال بعض العلماء: ينتج عن هذا التّفكّر التفكّر في التوحيد، والتفكّر في نتائج التوحيد الولاء والبراء، حقيقة المحو والإثبات، فالمؤمن بعد التفكر بالتوحيد يمحو محبة ما سوى الله من قلبه علماً وقصداً وعبادةً، ويُثبت في قلبه ألوهية الله سبحانه وتعالى، والمؤمن بعد التفكر هذا التفكر يؤمن بحقيقة الجمع والفرق، فيُفرق بين الإله الحق وبين من دُعِيت له الألوهية بالباطل، ويجمع تأليهه وعبادته وحبه وخوفه ورجاءه وتوكله واستعانته على إله واحد هو الله لا إله إلا هو، وحقيقة التجريد والتفريد، فيتجرد من عبادة ما سوى الله، ويُفْرده وحده بالعبادة، والتجريد هو النفي، والتفريد هو الإثبات، أي يُجرِّد ينفي كل عبادة لغير الله، ويُوحِّد ويُثبت العبادة لله وحده، فالولاء والبراء، والمحو والإثبات، والجمع والتجريد، والتفرد والتوحيد هو النافع المثمر المنجي الذي به تُنال سعادة الدنيا.
أي هذا الدرس معناه يجب أن نفكر، يجب أن نجلس لنفكر، يجب أن نفكر لا في كسب رزقنا، ولا في حلّ مشكلاتنا، ولا في صعودنا إلى مراتب عليا، يجب أن نفكر بالحقيقة، وأن نفكر كيف ننتفع بالحقيقة؟ يجب أن نفكر في موضوع التوحيد، وما أدلة التوحيد، وما أدلة نفي الشرك، إذا فكرنا في التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، صار معنا الولاء والبراء، والمحو والإثبات، والجمع والفرق، والتجريد والتفريد، هذه بعد الحقائق المتعلقة بالتفكر.
قصة إسلام الصحابي الجليل نعيم بن مسعود:
أيها الإخوة؛ الإنسان أحياناً أو في أغلب الأحيان يصل إلى أعلى درجات السعادة بلحظة تفكُّر صادقة، أروي لكم قصة سيدنا نُعيم بن مسعود، هذا رجل كان في الجاهلية خليل متعة وشراب، أي غارق في الشراب؛ شراب الخمر، وغارق في متعة النساء، هو من غطفان، نُعيم بن مسعود رجل كيف، زير نساء، يشرب الخمر من الطراز الأول، فلما بلغته دعوة النبي عليه الصلاة والسلام شعر أن هذه الدعوة تحدّ من شهواته، وتحرِمه من ملذاته، فحاربها أشدّ المحاربة، فلما كانت معركة الخندق، لأنه أحد وجهاء غطفان، وغطفان توجهت لمحاربة النبي العدنان لا يستطيع إلا أن يخرج، فخرج مع قبيلته ليحارب النبي، وطبعاً غطفان نصبت الخيام حول المدينة في معركة الخندق-يروي قصته بشكل مؤثر-قال: في أحد الليالي، ليالي الحصار، كنت مستلقياً في خيمتي، بدأت أفكر، يقول: يا نعيم لماذا جئت لمحاربة هذا الرجل الصالح؟ هل تحاربه لأنه سفك دماً حراماً؟ هل تحاربه لأنه اغتصب مالاً حلالاً؟ هل تحاربه لأنه فعل ما فعل؟ ما فعل شيئاً، أيُعقل يا نُعيم أن تحارب رجلاً صالحاً؟ يا نعيم أين عقلك؟ أين ذكاؤك؟ هؤلاء الذين حول النبي ماذا فعلوا؟ آمنوا به وصدقوه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، كيف تحاربهم؟ أيليق بك أن تحاربهم؟ رجل مستلقٍ بالفراش، أو على أرض الخيمة، وهو يستعد لمحاربة النبي، هذا إنسان صالح ما ارتكب جريمة، ما قتل، ما اغتصب، ما سفك دماء، ما انتهك حرمات، كيف نحاربه؟ مناقشة، هذه تسمى: الحوار الذاتي، مناقشة رائعة جداً، هذه المناقشة حملته ماذا حصل؟ على أن يقف ويتسلل إلى معسكر المسلمين، ويدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول له: يا رسول الله، قال له النبي: نعيم بن مسعود!! قال: نعم يا رسول الله، قال له: ما الذي جاء بك؟ قال: جئت مسلماً، جئت لأشهد أنه لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله قصة مؤثرة، إنسان في معسكر العدو، أحد وجهاء غطفان، جاء ليقاتل النبي العدنان، بلحظة حوار ذاتي، لحظة تفكر، هذا محور الدرس، بلحظة تفكر، أحياناً إنسان بحكم تسميها تقاليد، عادات، نمط الحياة، استمرارية الحياة، يؤذي ولا يشعر بنفسه، لمَ تؤذي؟ لمَ تؤذي ظلماً؟ فقال له: نعيم بن مسعود!! قال: نعم يا رسول الله، جئتك مسلماً، أشهد أنه لا إله إلا الله وأنك رسول الله، مرني يا رسول الله بما تريد؟ قال له: أنت واحد فينا، لأن في الخندق قال تعالى:
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا(10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)﴾
أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟ قال له النبي الكريم: يا نعيم خذّل عنا ما استطعت، أنت واحد فينا، هل تصدقون؟ والله شيء لا يصدق، أن هذه المعركة، معركة نكون أو لا نكون، معركة استئصال المسلمين، معركة إبادة المسلمين، معركة إنهاء الإسلام، معركة إطفاء نور الله، هل تصدقون أن النصر الذي تمّ في معركة الخندق كان بسبب إسلام نعيم بن مسعود رضي الله عنه؟ كيف؟ قال له: أنت واحد فينا خذل عنا ما استطعت، هو أسلم سراً، ولم يعلم بإسلامه أحد، ذهب إلى اليهود وقال لهم: أنتم تقطنون حول النبي، هؤلاء قريش وغطفان جاؤوا ليحاربوا النبي، فإن انتصروا عليه انتصروا عليه، وإن لم ينتصروا عليه عادوا إلى بلادهم وأولادهم ونسائهم، وانفرد بكم النبي فقتلكم عن آخركم، فلا تقبلوا أن تحاربوا معهم حتى تأخذوا منهم رهائن، لئلا يَدَعوكم لمحمد، والله كلام طيب منطقي، ذهب إلى قريش قال: هؤلاء اليهود كانوا على عهدٍ مع النبي عليه الصلاة والسلام، فلما نقضوا عهدهم ندموا، فاسترضوا محمداً على أن يأخذوا منكم رهائن ليضرب أعناقهم، فإياكم أن تعطوهم الرهائن، شخص واحد عمل بلبلة بين معسكر الشرك، قالوا له: والله أصبت يا نعيم، ذهب اليهود ليأخذوا الرهائن من قريش فقالوا: كذبوا والله لا نعطيهم الرهائن، وصار هناك شرخ بين معسكر المشركين، وصار هناك عداوة، الذي حصل أن الله أعان على هذا النصر فساق رياحاً اقتلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وقلبت قدورهم، وملأت عيونهم غباراً، وولوا مدبرين، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال.
كلما نقول نعيم بن مسعود، نقول: رضي الله عنه، رجل مشرك، زير نساء، خليل شراب، وهو مستلقٍ على فراشه، حاور نفسه، وناقش نفسه، وسأل نفسه: أيليق بك يا نعيم وقد أوتيت عقلاً أن تحارب رجلاً صالحاً؟ ما الذي جاء بك إلى هنا يا نعيم؟ حاور نفسه وصل إلى قناعة، والقناعة إلى قرار، والقرار نفّذه وأجرى الله على يديه هذا النصر المؤزر، معنى ذلك لحظة تفكُّر صادقة مع الذات تنقلك من الجحيم إلى النعيم، ومن الضياع إلى الوجدان، ومن الشقاء إلى السعادة، فكّر.
لحظة تفكُّر صادقة مع الذات تنقل الإنسان من الجحيم إلى النعيم:
والله يا أيها الإخوة؛ قد لا يحضرني الآن كل القصص، لكن أذكر أن عشرات الإخوة الكرام سبب إيمانه لحظة تفكر، أين تمشي؟ يوجد إنسان يعمل بعمل، هذا العمل غير مشروع، ويستخدمه بجمع أموال طائلة، وهناك منه مبني على ظلم، أول ولد جاءه معتوهاً، والثاني معتوهاً، والثالث معتوهاً، والرابع انتبه، فاستقال من هذا العمل، وعمل عملاً شريفاً، ونال به سلامة الدنيا وسعادة الآخرة ، ممكن، إنسان يبني عمله على إيذاء الناس، يبني عمله على الغش والاحتيال، يبني عمله على ابتزاز أموال الناس، فلحظة تفكر حاسمة، لحظة تفكر صادقة، لحظة تفكر عميقة، خصص وقتاً للتفكر، أين تمشي؟
ذكرت البارحة القصة، رجل راكب سيارته، وصل إلى إشارة حمراء، عند محطة الحجاز انكفأ على المقود، وقد أصيب بأزمة قلبية، من غرائب الصُّدف أن زوجته إلى جانبه صرخت، فلما صرخت، من غرائب الصُّدف أيضاً صديقه وراءه، نزل حمله، أخذه إلى المستشفى، طبعاً لما استعاد وعيه قليلاً طلب مُسجّلة، واعترف بكل الأموال التي اغتصبها، محلات، وبيوت، وكلها من حقّ إخوته، اعترف بالتسجيل أن هذا المحل لأخي الفلاني، أرجعوه له، وهذه الأرض لأختي الفلانية، وهكذا، بعد يومين أخذ مميع دم، وجد صحته لا شيء فيها، أخذ الشريط وكسره، وعاد إلى ما كان عليه، جاءته نوبة بعد ثمانية أشهر فكانت القاضية، فكانت النوبة الأولى إنذاراً مبكراً من الله.
على الإنسان أن يُفكر ويتخذ قراره ولو كان القرار صعباً:
فيا أيها الإخوة؛ فكّروا، لا تمشِ غلطاً، لا تمشِ بحكم العادات والتقاليد، الآن معظم الناس لِمَ تفعل هكذا؟ يقول: رأيت الناس يفعلون ففعلت، لماذا ركبت صحناً؟ الكل ركبوا يا أخي، لم يبق أحد لم يركب، لا تكونوا إمعة، من هو الإمعة؟ يقول: أنا مع الناس، إن أحسنوا أحسنت وإن أساؤوا أسأت، لماذا ترتدي زوجتك هذه الثياب؟ هكذا الموضة يا أخي، ماذا نفعل؟ لا نقدر عليها، هذا حال المسلمين، فكّر واتّخذ قراراً ولو كان القرار صعباً، إذا عندك عمل، مطعم مصنف خمس نجوم، يجب أن تبيع فيه الخمر، قال لي أحد شركاء مطعم: والله برقبة شريكي، أنا ليس لي علاقة، إن شاء الله برقبة شريكي، أنا عليّ أن آخذ ربحي آخر السنة، لا، سوف تحاسب، مددت يدك إلى الربح معنى هذا أنك شريك في بيع الخمر، فكر، لا تمشِ بحكم العادة، هكذا نشأنا، وهكذا ربينا، وهكذا التقاليد، وهكذا العادات، هكذا الناس كلها يا أخي، اسمع القرآن الكريم:
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)﴾
﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)﴾
كل إنسان لديه هدف واضح عليه أن يتفكر به:
درسنا اليوم التفكر، فكّر، والإنسان يكون ماشياً وحده، يجب أن يفكر، راكباً مركبة، يجب أن يفكر، سافر، ما دمت وحدك في حوار ذاتي مستمر، اجعل هذا الحوار هادفاً، أين كنت؟ ماذا بعد الموت؟ من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ لماذا أنا على وجه الأرض؟ ما المهمة التي ينبغي أن أقوم بها؟ ما الرسالة التي ينبغي أن أُبلّغها؟ ما العمل الذي ينبغي أن أفعله؟ لماذا تزوجت؟ لماذا اخترت هذه الحرفة؟ فكر، لا تكن إنساناً تتحرك بحكم الحركة الطبيعية، يقول الناس: نمشي ونحن متعبون، ما هذا الكلام؟ كلام مضحك، نعيش من قلة الموت، ما هذا الكلام؟ أنت لك رسالة هل عرفتها؟ أنت مخلوق أول مُكرّم هل قدّرت ذلك؟ أنت أمامك هدف كبير، الوسائل لهذا الهدف واضحة، هل سلكت هذا الطريق؟
أيها الإخوة؛ أختم هذا الدرس بقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق