الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلن تجد له ولياً مُرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أُذُنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغُر الميامين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنّا وعنهم يا ربَّ العالمين.
تفنن العدو في إذلالنا و نحن لا نحرك ساكناً:
أيُّها الإخوة الكرام: والله الذي لا إله إلا هو، ما تمنيت في حياتي ألّا أكون خطيباً، ولا داعيةً، ولا طالب عِلمٍ كهذه الأيام، ماذا أقول؟
أكاد أؤمِن من شكٍ ومن عجبٍ هذي الملايين ليست أُمة العربِ
هؤلاء المسلمون ليسوا هُم المسلمين، هؤلاء البشر ليسوا بشراً، هذا المجتمع الإنساني ليس مجتمعاً إنسانياً، والله ما خجلت يوماً ما أن أنتمي إلى الجنس البشري كما أخجل الآن، عالَمٌ قويٌ غنيٌ يتفنن في إنفاق الأموال، وفئةٌ معزولةٌ محسورةٌ، يتفنن العدو بأرقى الأسلحة أن يُذلها، ماذا أقول؟ أقول ما قال الله عزَّ وجل:
﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)﴾
آيات عن انتشار الفساد في الأرض:
افتتاح فندقٍ كلَّف مئة مليون دولار، وقضاء ليلة فيه بتسعةٍ وعشرين ألف دولار، وطفلٌ يموت في حاضنته، لأن الكهرباء قد قُطعت عليه.
﴿ وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)﴾
﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)﴾
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)﴾
السياسة التي يتَّبِعها أعداؤنا القوة المتجردة من القيَم والأخلاق:
أيُّها الإخوة الكرام: سأنقلكم من القرآن الكريم، من كلام ربّ العالمين، إلى تصورات المُجرمين، يقولون في صُحفهم: لا توجد قيَمٌ ولا أخلاق إنما هي القوة، والقوة وحدها ومنذ خمسة آلاف سنة تفعل ما تريد، والقوي يفرض ما يريد، وكلما أمعن في القوة كسب أكثر، نحن حينما استأصلنا الهنود الحمر، والإنكليز حينما استأصلوا سكان أستراليا الأصليين، نجحنا في حسم المعركة، بينما البيض في جنوب إفريقيا لأنهم كانوا أرحم ولم يستأصلوهم بالكُليّة، انقلبوا عليهم وانتصروا في النهاية.
السياسة التي يتَّبِعها أعداؤنا ومَن يدعم أعداءنا، واضحةٌ وضوح الشمس في هذا النص، من هُنا ينطلقون، حرب إبادة، ليست حرب صواريخ ولا حرب مقاومة، إنها حرب إبادة، لا تُفرِّق بين طفلٍ وكبير.
القوة لا تصنع الحق ولكن الحق يصنع القوة:
أيُّها الإخوة الكرام: أمّا وحي السماء بماذا أتى؟ من مفهومات وحي السماء أنَّ القوة لا تصنع الحق، ولكن الحق يصنع القوة، والقوة من دون حكمةٍ تُدمِّر صاحبها، قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)﴾
أيُّها الإخوة: بيتان من الشعر يقرأهما مَن تعمَّق في العلم، يصغر أمام هؤلاء الذين يبذلون دماءهم في سبيل الله:
يا عــابدَ الحَرَمينِ لوْ أبصرْتَنا لَعلمْتَ أنّك في العبادةِ تَلْعبُ
مَنْ كان يَخْضِبُ خدَّهُ بدموعِهِ فَنُحُورُنـا بِدِمَـائِنـا تَتَخَضَّبُ
على كل مسلم أن يتحلل من تنديده و استنكاره و يشارك بشكل فعلي في مساعدة إخوانه:
والله أيُّها الإخوة أتمنى أن نصمت وأن نفعل، ماذا يُجدي الشجب، والتنديد، والاستنكار، والتشديد، وحرق العلم، وحرق الصورة، ماذا يجدي ؟!
أوْسَعْتُهُمْ سَبّاً وَأَوْدَوْا بالإبل، الحل أن نصمت وأن نفعل شيئاً، اعتقد منذ هذه اللحظة، دعك من كل الأفكار، ومن كل التحليلات، ومن كل التخرُّصات، ومن كل وجهات النظر، دعك من كل هذا واعمل شيئاً لأمتك، دعك من كل هذا وافعل شيئاً، قدِّم مالاً، قدِّم دعماً، قدِّم خبرةً، ساهم في بناء أُمتك، ساهم في تقوية أُمتك، ماذا أقول لإخوتنا في غزَّة؟ أقول لهم:
﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾
مَن أنتم أمام سيد الخلق وحبيب الحق؟ مَن أنتم أمام قمة البشر؟ مَن أنتم أمام حبيب ربّ العالمين، الذي أقسم الله بعمره الثمين؟ مَن أنتم أمامه؟
(( لقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ، ولقد أوذيتُ في اللَّهِ وما يُؤذى أحدٌ، ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ من بينِ يومٍ وليلةٍ وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلاَّ شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ ))
[ أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد ]
من ازداد إيمانه ازدادت ثقته بنصر الله تعالى:
مَن أنتم أمام الصحابة الكرام؟ هُم قمم البشر، نُخبة البشر، لقول النبي الكريم:
(( إنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالَى اخْتارَني، واخْتارَ لي أصْحابًا، فجعَلَ لي منهم وُزَراءَ وأنْصارًا وأصْهارًا، فمَن سَبَّهم فعليه لَعْنةُ اللهِ والمَلائكةِ والنَّاسِ أجْمَعينَ، لا يُقبَلُ منه يومَ القيامةِ صَرفٌ ولا عَدلٌ ))
[ الحاكم المستدرك على الصحيحين ]
حوصروا سنواتٍ ثلاث حتى أكلوا ورق الشجر، من أنتم أمام سيد البشر الذي أُهدِر دمه، ووضِع مئة ناقةٍ لمن يأتي به حيّاً أو ميتاً، تبعه سُراقة، قال له النبي الكريم:<< يا سُراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟>> .
إنسانٌ مهدورٌ دمه، ووضِع مئةُ ناقةٍ لمن يأتي به حيّاً أو ميّتاً، وهو واثقٌ من نصر الله، ويا أهل غزَّة ثقوا بنصر الله، سُراقة من أجل مئة ناقة يريد أن يقتل محمداً، قال له: يا سُراقة ما قولك إذا لبست سواري كسرى؟ يا أخوان دقِّقوا في هذا الكلام: يعني أنا سأصل إلى المدينة سالماً، هذه ثقته بالله، وسأؤسِّس دولةً، وسأُنشئ جيشاً، وسأُحارب أكبر دولتين في العالم، وسأنتصر عليهما، وسوف تأتي إلى المدينة كنوز كسرى، و لكَ يا سُراقة سوار كسرى، هذه ثقة النبي بنصر الله.
﴿ وكلما ازداد إيماننا ازدادت ثقتنا بنصر الله، كلما ازداد إيماننا ازداد إيماننا بعدالة الله، كلما ازداد إيماننا كنا أكثر تفاؤلاً:
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)﴾
الجود بالنفس أقصى غاية الجود:
أمّا الذين قُتلوا:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)﴾
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)﴾
أيُّها الإخوة الكرام: أولاً هذه المِحن العظيمة التي يمر بها أهل غزَّة، مرَّ بها النبي عليه الصلاة والسلام، مرَّ بها أصحابه، وهُم اليوم في السجّل الذهبي للبشر، أمّا الأقوياء من قريش، أمّا المتمكنون، أمّا أصحاب السيطرة هُم في مزابل التاريخ، أين أبو لهب وأبو جهل؟
توظيف طغيان الطغاة لمصلحة المسلمين و خدمة الإسلام دون أن يشعروا:
حقيقةٌ ثانية: والله أُعاهدكم لا أقول كلمةً في هذه الخطبة، إلا كل خليةٍ من جسمي، وكل قطرةٍ في دمي تؤمن بها، لا يسمح الله لطاغيةٍ على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة ـ وما أكثر الطُغاة ـ لا يسمح الله لهم أن يكونوا طُغاةً، إلا ويوظِّف طغيانهم لمصلحة المؤمنين ولمصلحة دينه، من دون أن يشعروا، من دون أن يريدوا، وبلا أجرٍ وبلا ثواب، والله لو أنَّ الإنسان عنده وقت، لاستنبط من خلال قسوة الطُغاة، وظُلم الطُغاة، وتحكُّم الطُغاة، ومواقف الطُغاة، لاستنبط الإيجابيات التي كسبها المسلمون، والدليل، لا تقبل شيئاً في الدين من دون دليل:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾
الآن دقِّق: هذا كلام الله، الآن نحن في أمسّ الحاجة إليه، قد تقرأ هذه الآية آلاف المرات، لكن لأن الظرف لا يناسبها قد لا تنتبه إلى معناها، اقرأها الآن:
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾
أيُّها الإخوة: من مُسلَّمات الإيمان أنَّ كل شيءٍ وقع ما كان له أن يقع لولا أنَّ الله سمح له أن يقع، وما دام الله جلَّ جلاله سمح له أن يقع، فهناك حكمةٌ بالغةٌ بالغةٌ بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، إذاً لكل واقعٍ حكمة، لكن الموقع قد يكون مُجرماً، لو أردنا بشكلٍ موضوعي أن نبحث في الإيجابيات من هؤلاء الطُغاة، ما الذي حصل؟
كان أعداؤنا يرون أنَّ مشكلتهم الأولى هي الأمن، والله لا أُبالغ الآن مشكلتهم البقاء، كان الأمن فأصبح البقاء، مطروحٌ في الكيان الصهيوني موضوع بقاء إسرائيل، لأنَّ التقارير التي نظَّمها خبيرٌ عسكري عقب حرب جنوب لبنان قال: ثلاثة آلاف أذلّوا أقوى جيشٍ في المنطقة:
﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾
والآن الصواريخ وصلت إلى بئر السبع، يقطنها سبعمئة ألف، واليوم الخبر يقول اليهود: صواريخهم تصل إلى تل أبيب، أعطوا أوامر بتهيئة ملاجئ في تل أبيب، من لا شيء من حَجَر، بدأت المقاومة بالحجارة فقط، بالحَجَر والآن صاروخ من صُنعٍ محلي يصل إلى تل أبيب.
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾
الثقة بالله عزَّ وجل أساس النصر:
والله الذي لا إله إلا هو هُم في ارتباكٍ ما سَبَق لهم في حياتهم، أذكُر لكم هذه القصة لكنها مؤثِّرة ، قبل أعوامٍ مديدة أرادوا خطف مُسلمين من لبنان ليلة القدر، وجهَّزوا مئة وخمسة وعشرين ضابطاً، بالتعبير عندهم "كوما ندوس" أي ضابط مغوار، هؤلاء بقمم الضباط، هؤلاء كلَّف الواحد منهم خمسة ملايين دولار، يُتقِن السلاح الأبيض والأسلحة الحديثة واللغة المحلية، ركبوا طائرتين مروحيتين وسقطت في أثناء الدعاء، دعاء إمام الحرم على اليهود، وقت الدعاء سقطت العليا على السفلى، والطائرتان وقعتا فوق مستعمرةٍ صهيونية، ويؤكد الخبراء أنَّ إسرائيل لم تُمنَ بهزيمةٍ بشريةٍ كهذه الهزيمة، مئة وخمسة وعشرون ضابط كوماندوس ماتوا بحادث سقوط طائرتين، الله كبير ثقوا بالله، مع أنَّ الأخبار مؤلمة جداً، لكن هناك تفاؤل.
الآن هناك مشكلة حرجة جديدة، أنَّ هذا الكيان بقاؤه في خطر، أول شيء كان هدفهم الأمن فأصبح البقاء، هذا اسمه تطورٌ نوعي، وكان في رُعب من قِبلنا الآن في رُعب مشترك، توازن رعب، صفارات إنذار تُطلَق، الملاجئ تُفتح، ووزيرهم ينبطح على الأرض خوفاً من قصف الصواريخ، والقلق عمّ المواطن الإسرائيلي، صار هناك إنجازٌ آخر اسمه توازن الرُعب، أنا أتكلم بشكلٍ موضوعي، والإنجاز الثالث: أعداؤنا فقدوا الحسم، كانوا يبدؤون بمعركةٍ وتنتهي بساعات، وانتهى كل شيء، الآن يبدؤون لكن لا يعلمون متى تنتهي، هذا التصور هو الذي أخَّر دخول القوات البرية إلى غزَّة، دخلوا إلى لبنان فما أفلحوا، خسروا ثمانية وستون دبابة في يومٍ واحد، صار في توازن رعب، فقدوا الحسم، لازالوا أقوياء جداً، لا زال جيشهم أقوى جيشٍ في المنطقة، لكن ماذا يفعل الطيران لو قصفوا كل شيء؟ استمعت البارحة إلى أحد المُحللين الإسرائيليين يقول: دمَّرنا كل شيء اليوم ماذا نفعل؟ نُدمِّر المساجد الآن والجامعات، ماذا ينبغي أن نُدمِّر؟ انتهى كل شيء.
شعار هذه المرحلة: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ :
فيا أيُّها الإخوة الكرام: شعار هذه المرحلة: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) .
لمّا سُمِحَ لأهل غزَّة أن يتجاوزوا المعبَر قديماً إلى مصر، دخل مصر سبعمئة ألف إنسان ما وقعت ولا سرقة واحدة وكانوا يموتون من الجوع، والله كنّا في الكويت أستاذ جامعة من الكويت قال: ذهبت إلى غزَّة، قال كلمة كالصاعقة، قال: "والله نحن المحاصرون، نحن محاصرون بشهواتنا ومصالحنا، هُم أحراراً" .
أنا هذه ثقتي بالله عزَّ وجل، الذي قُتِل كبيراً أو صغيراً إن شاء الله له الجنَّة، وأكثرهم أعلن الشهادة وهو يموت، لكن الذي بقي إن شاء الله له المستقبل (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) .
معاناة المسلمين اليوم نتيجة تعطيلهم أمراً قرآنياً و هو إعداد القوة اللازمة:
أيُّها الإخوة: لكن الحقيقة المرة ضرورية، ما نُعانيه اليوم أخطاء ارتكبتها الأمة الإسلامية من مئتي عام، لأنهم عطَّلوا أمراً قرآنياً، قال تعالى: ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ) الذي حصل أنهم أعدّوا لنا، أعدّوا لنا طائرات، وأقماراً صناعية، وقنابل عنقودية، وقنابل جرثومية، وقنابل فسفورية، وقنابل نابالم، أعدّوا لنا قبل أن نُعدَّ لهم، فلمّا ملكوا القوة فرضوا على العالم كله ثقافتهم وإباحيتهم، فرضوا على العالم كله قرارهم، هذا الخطأ خطؤنا، إعداد القوة جزءٌ من منهجنا، قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) .
الانحلال و المعاصي و الشهوات أساس الابتعاد عن منهج الله عزَّ وجل:
أيُّها الإخوة: أمّا الشيء المُخزي مما نراه ممن تربعوا على سدة الحُكم في العالم العربي، هذان البيتان من الشِعر، امرأةٌ قالت وا مُعتصماه، فهبَّ المُعتصم بجيشٍ وفتح عمورية وردَّ لها كرامتها، فقال الشاعر:
رُبَّ وامعتصماه انطلقت مـلء أفـواه البنـات اليُتَّـمِ
لامست أسمـاعهم لـكنها لم تلامس نخوة المُعتصمِ
المقولة المؤلمة جداً أنَّ فيلسوفاً ألمانياً اسمه توينبي قال: كان المسلم يحتقرنا كالخنازير البرية، فسق، فجور، تفلُّت، زِنا، إلى آخره...، فلمّا استطعنا أن نجرّه إلينا، أن ندلّه على شهواتنا ومعاصينا وانحلالنا، أن نُغريه بنمط حياتنا، فلمّا استطعنا أن نجرّه إلينا احتقرناه لأنه لم يعُد يملِك شيئاً يقدِّمه لنا.
كلامٌ دقيقٌ جداً: كان المسلم في ما مضى يحتقرنا، إنسان صادق، أمين، شهم، صاحب مروءة، مستقيم، يُحب الله ورسوله، معه رسالة، كان المسلم يحتقرنا كالخنازير البرية، فلمّا استطعنا أن نجرّه إلينا، أغريناه بالفضائيات، كل بيت مسلم نادٍ ليلي، صار الجنس همّ الناس جميعاً، المال الوفير، والرفاه، فلمّا استطعنا أن نجرّه إلينا عن طريق الثقافة الغربية، الآن العالم كله يتَّبِع الثقافة الغربية، حتى في بلاد المسلمين، استثني المساجد والعبادات، أفراحنا، أحزاننا، نزهاتنا، علاقاتنا، لقاءاتنا، كلها على النمط الغربي، اختلاط، وأحياناً هناك شرب خمر، وأحياناً لعب قِمار، وأحياناً رِبا.
المسلمون من خلال مجموعة تصريحات قالها زعماء كبار في العالم الغربي:
أيُّها الإخوة الكرام: لكن هل تحبون أن تعرفوا من أنتم؟ من أنتم أيُّها المسلمون، سأضعكم خلال مجموعة تصريحات قالها زعماء كبار في العالم الغربي، اسمعوها واعرفوا من أنتم.
قال وزير المستعمرات الفرنسي عام اثنين وستين: وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا.
تمسَّكوا بالقرآن، منهج الرحمن، منهج الواحد الديان، أقيموا حدوده، طبِّقوا منهجه، علّموه أطفالكم، وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟
غلادستون رئيس وزراء بريطانيا يقول: ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق.
بن غوريون قال: إنَّ أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمدٌ جديد، ننتهي.
لورانس براون يقول: وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجودٌ في الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته المدهشة.
هانتو وزير خارجية فرنسا سابقاً قال: لا يوجد مكان على سطح الأرض، إلا واجتاز الإسلام حدوده، وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدةٍ تفوق أي دينٍ آخر.
كنت في فرنسا، خمسون فرنسياً من أصلٍ فرنسي يسلمون يومياً، فيها ألفان وسبعمائة مسجد.
ألبير مشاد دور يقول: من يدري ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب تحت سيطرة المسلمين، يهبطون إليها من السماء في الوقت المناسب.
سالازار يقول: إن الخطر الحقيقي على حضارتنا، هو الذي يمكن أن يُحدثه المسلمون حتى يغيروا نظام العالم.
خوف الغرب من انتشار الإسلام مرة ثانية:
معكم وحي السماء، معكم منهج الواحد الديان، معكم الكتاب، كتاب القرآن الكريم، معكم توجيهات النبي عليه أتم الصلاة والتسليم.
يقول مسؤولٌ في الخارجية الفرنسية عام اثنين وخمسين: إنَّ المسلمين يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم، يتمتعون بحضارةٍ تاريخيةٍ ذات أصالة، هُم جديرون أن يُقيموا قواعد عالِمٍ جديد، دون الحاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية، ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ.
مورو برجر: إنَّ الإسلام يُفزِعُنا عندما نراه ينتشر بيُسرٍ في قارة إفريقيا.
من محاضرةٍ كان عنوانها "لماذا كنّا نحاول البقاء في الجزائر" ، عالمٌ فرنسي يقول: نحن نعتبر أنفسنا سور أوروبا، الذي يقف في وجه زحفٍ إسلامي، يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين عبر المتوسط، ليستعيدوا الأندلس التي فقدوها، وليدخلوا معنا في قلب فرنسا، بمعركة بواتييه جديدة، ينتصرون فيها، ويكتسحون أوروبا الواهنة، ويُكملون ما كانوا قد عزموا عليه أثناء حلم الأُمويين، بتحويل المتوسط إلى بحيرةٍ إسلامية، من أجل هذا كنّا نحارب في الجزائر.
القواعد التي يتَّبِعها الغرب للانتصار على المسلمين في العالم:
الآن كلمة قالها لويس التاسع عشر مَلِك فرنسا، أنقلها لكم حرفياً، قال:
لا يمكن الانتصار على المسلمين في الحرب، وإنما ننتصر عليهم باتِّباع ما يلي:
إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، عدم تمكين البلاد العربية والإسلامية أن يقوم فيها حُكمٌ صالح، إفساد أنظمة الحُكم في البلاد الإسلامية بالرشوة، والفساد، والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة، الحيلولة دون قيام جيشٍ مؤمنٍ بحقّ وطنه عليه، يُضَّحي في سبيل مبادئه، العمل على الحيلولة دون قيام وحدةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ في المنطقة، العمل على قيام دولةٍ غربيةٍ في المنطقة العربية، هذا قاله لويس التاسع عشر مَلِك فرنسا قبل مئات السنين.
يقول الحاكم الفرنسي في الجزائر: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، وأن نقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم.
بكتور يقول: المسلمون يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن، بنفس السرعة التي نشروها بها سابقاً بشرطٍ واحد، أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كان عليها سلفهم، أمانة، صدق، عِفّة، إتقان، تسامح، تواضع، إنصاف، بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول، إن هذا العالَم الخاوي من القيَم، لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم.
يقول المُبشر لورانس براون: إذا اتحدَّ المسلمون في إمبراطوريةٍ عربية، أمكن أن يصبحوا نعمةً على العالَم، أمّا إذا بقوا مُتفرقين، فإنهم يَظَلون حينئذٍ بلا وزنٍ ولا تأثير لهم.
توينبي يقول: إنَّ الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا، أنَّ النائم قد يستيقظ.
وإن شاء الله هذه الأحداث الدامية، وهذا العنفوان المُتغطرس، وهذه الضغوط، وهذه الحروب على
أفغانستان، وعلى العراق، وعلى فلسطين، وعلى الصومال، وعلى السودان، هذه الحروب يمكن أن توقظنا من غفوتنا، هذه إيجابيتها.
يقول المستشرق الأميركي يخاطب أمريكا لتُغيِّر سياستها في الباكستان يقول: إذا أُعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي، وعاشوا في ظل أنظمةٍ ديمقراطية، فإنَّ الإسلام ينتصر في هذه البلاد.
طالبوا الجزائر بالديمقراطية فانتصر المسلمون ألغوا الانتخابات، طالبوا فلسطين بالانتخابات ظهرت حماس ألغوا الانتخابات.
أيُّها الإخوة: يقول مونتغمري: إذا وجِدَ القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام، فإنَّ من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العُظمى في العالم.
ابتعاد المسلمين عن بعضهم و تفرقهم بالرغم من مئات الصفات التي تجمعهم:
هل عرفتم من أنتم؟ هل عرفتم سرّ هذه السياسات التي تُتَّبع ضدنا؟ هل عرفتم ماذا نملِك؟ هل عرفتم أي دينٍ نحن نعتنق؟ هل عرفتم أنَّ ديننا أول دينٍ في العالَم؟ هل عرفتم أنَّ هذه الشِدّة في النهاية لمصلحتنا؟ لأنها تجمعنا، توحدنا.
مُزِّقنا، تشرذمنا، ألا يؤسف له أن أنتقل من بلدٍ إلى بلدٍ إلى بلدٍ إلى بلدٍ في أوروبا من دون أن تُسأل من أنت؟ من دون حدود، من دون سدود، من دون لوحة، من دون إشارة، رحلات داخلية كلها، تنتقل في خمسة وعشرين بلداً في أوروبا رحلات داخلية، لا جواز، ولا لوحة، ولا سؤال، ولا أمن عام، ولا جمارك أبداً، حروب طحنتهم لمئة عام، لغات متفرقة، قوميات متفرقة، أذكياء وحّدوا أنفسهم، عملةٌ واحدة، سياسةٌ واحدة، اقتصادٌ واحد، ونحن أُمةٌ واحدة، أهدافٌ واحدة، آلامٌ واحدة، آمالٌ واحدة، لغةٌ واحدة، قرآنٌ واحد، دينٌ واحد، إلهٌ واحد، نبيٌ واحد، كما ترون، يضنون على غزَّة باجتماع قمة، يموت أمامهم الأطفال تحت سمعهم وبصرهم ولا يتحركون.
صورة من الماضي تشبه الحاضر:
أيُّها الإخوة الكرام:
رُبَّ وامعتصماه انطلقت مـلء أفـواه البنـات اليُتَّـمِ
لامست أسمـاعهم لـكنها لم تلامس نخوة المُعتصمِ
شيءٌ مؤلمٌ جداً أن آتيكم بصورةٍ من الماضي تشبه الحاضر، أحد الشعراء قال:
يـا راكِبـينَ عِـتـاق الـخَـيلِ ضـامِـرَةً كَـأَنَّها فـي مَـجالِ السَبـقِ عـقبـانُ
وَحــامِـلينَ سُيُـوفَ الـهِـنـدِ مُـرهَـفَـةً كَـأَنَّـها فـي ظَــلامِ النَـقـعِ نـيـرَانُ
وَراتِعـيـنَ وَراءَ الـبَـحــرِ فـي دعــةٍ لَـهُـم بِـأَوطـانِهِـم عِــزٌّ وَسـلـطـانُ
أَعِـنـدكُــم نَـبَــأ مِــن أَهـــلِ أَنــدَلُـسٍ فَقَـد سَرى بِحَدِيثِ الـقَـومِ رُكـبَانُ
كَم يَستَغيـثُ بِنـا المُستَضعَـفُونَ وَهُم قـَتـلى وَأَسـرى فَـما يَـهـتَزَّ إِنسانُ
فَـلـَو تَـراهُـم حَيـارى لا دَلِـيـلَ لَـهُــم عَــلَـيـهِــم مـن ثـيـابِ الـذُلِّ أَلـوانُ
يـا رُبَّ أمٍّ وَطِــفــلٍ حـيـلَ بـيـنهُــمـا كَـــمـــا تُـــفَــــرَّقُ أَرواحٌ وَأَبـدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ بـرزت كَــأَنَّــمـا هــيَ يـاقُــوتٌ وَمُــرجانُ
يَقُودُهــا الـعِـلجُ لِلمَـكروهِ مُـكـرَهَــةً وَالـعَـيـنُ بـاكــِيَـةٌ وَالـقَـلـبُ حَيرانُ
لِمـثـلِ هَـذا يذوبُ الـقَـلـبُ مِـن كـَمـَدٍ إِن كانَ فـي الـقَـلبِ إِسـلامٌ وَإِيـمـانُ
أيُّها الإخوة الكرام: ماذا أقول؟ أقول هذه القصيدة وقد سمعتموها مني كثيراً:
أخي في الله أخبرني متى تغضبْ؟
إذا انتُهكت محارمنا إذا نُسفت معالمنا ولم تغضبْ
إذا قُتلت شهامتنا إذا ديست كرامتنـا
إذا قـامـت قـيـامـتـنا ولـم تـغــضــبْ
إذا نُهبت مواردنا إذا نكبت معاهدنا
إذا هُدمت منازلنا إذا قطعت طرائقنا
وظـلت قـدسنا تُغـصـبْ ولـم تغضـبْ
عدوي أو عدوك يهتك الأعراض يعبث في دمي لعباً
إذا لله... لـلـحـــرمــات... لـلإســلام لــم تـغـــضــبْ
رأيـتَ هنـاك أهوالاً رأيـتَ الـدم شـلالاً
رجــالاً شــيَّـعــوا لـلــمــوت أطــفــالاً
رأيتَ القهر ألواناً وأشكالاً ولم تغضبْ
فصارحني بلا خجلٍ لأية أمةٍ تُنسبْ؟!
ليس لكَ أُمة؟ لا تنتمي لوطن؟ لا تنتمي لأُمة؟
فـصــارحـنـي بــلا خـجـلٍ لأيـة أمـة تُـنـسـبْ؟!
فلست لنا ولا منّا ولست لعالم الإنسان منسوبا
ألـم يـُحــزنـك مـا تـلـقـاه أمـتـنـا مـن الـهــولِ؟
ألـم يُخـجِلـك مـا تجـنـيه مـن مسـتـنـقع الـحَـلِ؟
ومــا تـلـقــاه فــي دوامــة الإرهـاب والــقــتـل ِ
ألـم يُـغــضــبك هـذا الـواقـع الـمـعـجـون بالـذلِ
وتـغــضـب عــنـد نــقــص الــمـلـح فـي الأكــلِ!!
ألم يهززك منظر طفلةٍ ملأت مواضعَ جسمها الحفرُ
كم طفل شاهدتم طريح السرير مجروح، كم طفل؟
ولا أبكاك ذاك الطفل في هلعٍ
بــظــهــر أبــيـه يـسـتـتــرُ
فــمـا رحــمــوا استغاثـتـه
ولا اكـتـرثـوا ولا شـعــروا
فـــخـــرّ لـوجـهــه مـيْـتـــاً
متى التوحيد في جنبَيْكَ ينتصرُ؟
أتبقى دائماً من أجل لقمة عيشكَ
الــمـغـمــوسِ بــالإذلال تـعـتـذرُ؟
مـتـى مـن هـذه الأحـداث تـعتبرُ؟
أيُّها الإخوة: أرجو الله سبحانه وتعالى أن تجمعنا كلمة الحقّ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن نصحو من غفلتنا، أن نعود إلى ديننا، أن نصطلح مع ربنا، أن نقدِّم لإخوتنا ما نستطيع.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى صحابته الغُرّ الميامين، و على آل بيته الطيبين الطاهرين.
الامتناع عن شراء البضائع الأمريكية التي تعين عدونا على قهرنا:
أيُّها الإخوة الكرام: أضعكم مع هذه الحقائق، إعلاناتٌ صارخة، ورسمية، وقوية، ومباشرة، في كل أنحاء أوروبا وأمريكا، مفادها ساهم في بقاء إسرائيل، شركة ستار بوكس للقهوة قال: سيُضاعِف التبرعات لإسرائيل لقتل أوغاد العرب.
شركة فيليب موريس تُنتج سجائر المارلبورو تدفع التبرعات بصفةٍ يومية، ستار بوكس تدفع، ماكدونالز تربح، كينتاكي، بيتزا هات، كوكا كولا، بيبسي كولا، تشيز، والقائمة طويلة، لذلك أبسطُ عملٍ تفعله أن تمتنع عن شراء بضاعةٍ أمريكية، أو دولةٍ تُعين العدو على قهرنا، هذا أبسط شيء.
أُقسِم لكم بالله العظيم لو امتنع العالَم الإسلامي وحده، بل والعالَم العربي فقط، عن شراء بضاعةٍ أمريكية، والله لركعت على قدميها، السيارات، والدخان، والمطاعم فقط، هذه البضاعة لها بدائل، لها آلاف البدائل، أين الوعي؟ أين الوعي؟ يجب أن تمتنع عن شراء أي بضاعة متعلقة بمن يدعم عدوُّنا قولاً واحداً.
من لم يجاهد أو يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق:
آخر كلمةٍ أقولها لكم:
(( مَن ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ به نَفْسَهُ، ماتَ علَى شُعْبَةٍ مِن نِفاقٍ ))
إن لم تستطع أن تُجاهد فادعم مُجاهداً، إمّا أن تغزو أو أن تدعم مَن يغزو بمالك، أو برعاية أهله في بلدك، إذا وجِدَ طالبٌ فلسطيني في جامعةٍ وفَقَدَ دعم أهله، إن دعمته كأنك دعمت أهله، ادعم طالباً يدرس عندنا، أو ادعم أهله بطريقةٍ أو بأُخرى، ومن أراد أن يوصِل شيئاً لا يعدم الوسيلة، هذا إيماني، ابحث، إن أردت أن توصِل شيئاً لا تعدِم الوسيلة إطلاقاً، فلابُدَّ من أن ندعمهم إمّا بمالنا، والحد الأدنى بدعائنا، والأدنى من الأدنى بأن نمتنع عن دعم اقتصاد من يدعم عدوُّنا، إمّا بمالك، أو بجُهدك، أو بدعم أولادهم، أو بامتناعٍ عن دعم أعداء من يدعم أعداءنا بشراء بضاعتهم.
اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافِنا فيمَن عافيت، وتولَّنا فيمَن تولَّيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرف عنّا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل مَن واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هَب لنا عملاً صالحاً يُقربنا إليك.
اللهم يا واصل المُنقطعين صِلنا برحمتك إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنَّا، آثرنا ولا تؤثِر علينا، ارضِنا وارضى عنّا، أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا ربّ العالمين.
اللهن اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهم لا تؤمنّا مكرك ولا تهتك عنّا سترك، ولا تُنسنا ذكرك يا ربّ العالمين.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصُر الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، واجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين.
اللهم أرِنا قدرتك في تدميرهم يا أكرم الأكرمين.
اللهم وفِّق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تُحب وترضى، واسقِنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تُهلكنا بالسنين، اسقِنا وألهمنا شُكر الشاكرين يا ربّ العالمين، وصلى الله على سيدنا محمدٍ النبي الأُمّي وعلى آله وصحبه وسلَّم.
الملف مدقق