بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغرِّ الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف وتكريم:
أيها الإخوة الأكارم؛ الحقيقة الدقيقة والأساسية في حياة المؤمن أن الله -سبحانه وتعالى- خلقنا ليسعدنا.
﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة، لكن هذا الإنسان يُعدُّ المخلوق الأول عند الله، السبب قوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)﴾
لأن الإنسان قبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول، ولأن الإنسان عند الله هو المخلوق الأول سخّر الله له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه؛ هذا قرآن كريم، لكن العلماء فصّلوا فقالوا: هذا التسخير تسخير تعريف وتسخير تكريم، فموقف الإنسان من تسخير التعريف أن يؤمن، وموقفه من تسخير التكليف أن يشكر، فإذا آمن وشكر توقفت جميع المعالجات الإلهية، والدليل:
﴿ مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾
أنت حينما تؤمن أن لهذا الكون إلهاً عظيماً، هذا الكون بكل ما فيه ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، أنت حينما تؤمن بهذا الإله العظيم، وحينما تخضع لمنهجه القويم، تكون قد حققت الهدف من وجودك، فلذلك الآن في الأرض سبعة مليارات إنسان- أقول لكم كلاماً دقيقاً- ما منهم واحد على وجه الأرض إلا وهو حريص على سلامة وجوده، وحريص على كمال وجوده، وحريص على استمرار وجوده، سلامة الوجود وكمال الوجود واستمرار الوجود، السلامة تتحقق بالخضوع لمنهج الله؛ لأنك أيها الإنسان أعقد آلة في الكون، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، لأنك أعقد آلة في الكون فلك صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك اللا محدود على سلامتك، وانطلاقاً من حرصك اللا محدود على سعادتك، وانطلاقاً من حرصك اللا محدود على استمرار وجودك،
سلامة الوجود بالاستقامة، الاستقامة طابعها سلبي، يقول لك: أنا ما كذبت، أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما اغتبت، الاستقامة ترك المعاصي والآثام، أما العمل الصالح فعطاء، تعطي من وقتك، من مالك، من علمك، من جاهك، فالأولى طابعها سلبي، الاستقامة سلبية، والعمل الصالح إيجابي، فأنت حريص على سلامة وجودك بالاستقامة، وعلى كمال وجودك بالعمل الصالح، وحريص على استمرار وجودك بتربية أولادك، مرة في الشام أحد كبار العلماء توفاه الله -عزَّ وجلَّ-، قام في اليوم الثالث من أيام التعزية ابنه خطب خطبة كأنه الأب، أنا بكيت قلت: لم يمت هذا الأب، فأنت أيها الأخ الكريم من أجل استمرار وجودك ينبغي أن تعتني بأولادك، وقد تعتني بهم في بلاد المشرق، لكن هنا العناية يجب أن تكون عشرة أضعاف، لأن العقبات كثيرة، العقبات أمام الدين كثيرة، والصوارف كثيرة، يوجد عقبات ويوجد صوارف، فمادام هناك عقبات وصوارف فموضوع الأولاد هو الموضوع الأول عند إخوتنا في هذه البلاد، لأن الإنسان حينما يفقد ابنه يفقد انتماءه، وهذه مشكلة كبيرة جداً، مرة كنت في أمريكا وقديماً كان الحاكم في ذلك الوقت كلينتون، قلت: لو ملكت منصباً ككلينتون وثروة كأناسيس وعلما كأنشتاين ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، أنا ألح على هذه النقطة في هذا المكان بالذات لأن الإنسان سعادته بأولاده، سعادته بأولاد أبرار، أولاد صالحين، أولاد منيبين، أولاد أتقياء.
أيها الإخوة؛ فالإنسان حريص على سلامة وجوده، يجب إذاً أن يستقيم، وحريص على كمال وجوده، أن يكون له صلة بالله:
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُۥ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

أي يجب أن يكون لنا عمل صالح، نحن أحياناً يُطلب منا عمل صالح نقوم به، هذا شيء جيد، الأصل كيف أنك تتنفس الهواء كل يوم، وتأكل الطعام كل يوم، يجب أن تدخل في حساباتك أنه لابد من عمل صالح كل يوم، فغض البصر، وإسعاف المريض، وإطعام الجائع، والنصيحة وما إلى ذلك، قالوا:
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، وهذا المنهج الذي شرّفنا الله به منهج تفصيلي، نحن أحياناً نتوهم أن الدين عبادات شعائرية فقط؛ أي صلاة وصوم وحج وزكاة وشهادة، هذه عبادات شعائرية، أما البطولة فتكون بالعبادة التعاملية، الدليل عندما سأل النجاشي سيدنا جعفر: حدثني عن هذا الدين، قال له:
(أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء) هذه العبادات هذه عبادات تعاملية، والصلاة والصوم والحج والزكاة عبادات شعائرية، فالإسلام بني على خمس، فالإسلام غير الخمس، الإسلام بناء شامخ ومنهج تفصيلي، يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان ليصل إلى أكبر العلاقات بين البشر، من أخصّ خصوصيات الإنسان إلى قضية السلم والحرب؛ هذا المنهج الإسلامي منهج تفصيلي في كل التفاصيل، فما لم نتحرك وفق هذا المنهج لن نسعد ولن نفلح، إذاً لا يوجد إنسان إلا وهو حريص على سلامة وجوده بالاستقامة، وكمال وجوده بالعمل الصالح، واستمرار وجوده بتربية أولاده.
الفرق بين التّفوق والتّطرف:
الآن الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك،
غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، فما لم تلبَّ حاجات العقل والقلب والجسم معاً يكون التطرف، يوجد تفوق وتطرف، بتلبية حاجات العقل والجسم والروح يكون التفوق، حينما نلبي حاجة واحدة يكون التطرف،

فلذلك لا بد من تغذي عقلك بالعلم، فهذا الهاتف المتواضع إن لم يشحن ينتهِ، أصبح قطعة من البلاستيك، وأنت أيها الإنسان لابد لك من شحن، والشحن نوعان: شحن علمي، تعرف لماذا أنت موجود؟ ما سرّ وجودك؟ ما الهدف مِن الحياة؟ لماذا خُلقت؟ ماذا بعد الموت؟ أين كنت قبل الولادة؟ هذه حقائق، لذلك قالوا: ما كلّ ذكي بعاقل، قد تجد إنساناً ذكياً جداً معه دكتوراة بالفيزياء النووية، لأنه ما عرف الله، وما عرف سرّ وجوده، وما عرف ماذا بعد الموت، لا يُعدّ عاقلاً، يُعدّ ذكياً لكنه لا يُعدّ عاقلاً، العقل متعلق بالشموليات، بالمعاني الكبرى؛ علة وجودك في الدنيا، سرّ وجودك، مَنْ الذي خلقك؟ لماذا خلقك؟ ماذا بعد الموت؟ ما علاقة الدين بالعقل؟ هذه معانٍ كبرى، فالإنسان حينما يزهد في المعاني الكبرى يضِل الطريق.
﴿ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بٱلْأٓخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَٰطِ لَنَٰكِبُونَ (74)﴾
سينحرف، السبب يوجد لديه شهوات، وهذه الشهوات -أيها الإخوة- تُلبى بمئة وثمانين درجة، لكن الله سمح لك من خلال كل شهوة بمئة درجة، مثلاً المرأة شهوة، اشتهيت المرأة يوجد زواج، الشرع فيه زواج، الشرع لا يوجد فيه خليلة أبداً، فلذلك أنت حينما تُوقع الحركة- حركتك- مع المساحة التي سمح الله لك بها ستتفوق، والدليل القوي -ودقق في الدليل-:
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (50)﴾
المعنى المخالف: الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، بالإسلام لا يوجد حرمان لكن يوجد تنظيم، لا يوجد شهوة - ودققوا في هذا الكلام- ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، لا يوجد حرمان لكن يوجد تنظيم، الآن الإنسان حينما يستقيم يسْلم، وحينما يعمل الصالحات يسعد، وحينما يربي أولاده يستمر وجوده، والإنسان يحب أن يغذي عقله بالعلم، وقلبه بالحب، وجسمه بالطعام والشراب، وعظمة هذا الدين أنه دين فردي اجتماعي معاً، دين فردي لو طبقته وحدك لقطفت معظم ثماره، ولو طبقته الأمة تنتصر، دين فردي ودين جماعي، أيها الإخوة؛ هذا الكلام يندرج تحت كلمة (كلام مصيري) متعلق بمصيرنا جميعاً، وقد ورد في الأثر أن الإنسان حينما يقترب أجله ويموت يُنادى: "أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت"، أي معظم الناس يعيشون ماضيهم، يقول لك: كنت، درست في الجامعة الفلانية، أنا ولدت في المكان الفلاني، أبي رباني هكذا، يتكلم عن واقعه الحالي، لكن لا يوجد بالألف واحد يعيش مستقبله، كيف نعيش المستقبل؟ نعيش المستقبل من خلال أخطر حدث في المستقبل وهو مغادرة الدنيا، من بيت، صالون، غرفة جلوس، زوجة، أولاد، كنائن، بنات، أصهار، لقاءات، ولائم، سهرات، متابعات، إلى قبر، هل يستطيع أي أحد من الحاضرين وأنا معكم أن يقول: أنا استيقظ كل يوم مثل اليوم السابق؟ مستحيل، كل يوم يوجد مفاجأة صحية، هذا يسمونه بالمطارات (gate) أي بوابة الخروج، فيا ترى مَنْ هو الذكي الذي يعد لهذه الساعة عدتها؟! من بيته إلى القبر، لا يوجد زوجة، ولا أولاد، ولا كنائن، ولا أصهار، ولا ولائم، ولا شيء؛ قبر، ويقال كان هناك رجل في بعض البلاد العربية، كان غنياً كبيراً - هذه قصة رمزية طبعاً- أولاده سمعوا هذا الحديث أنه: عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك... فمات أبوهم، بحثوا عن شخص فقير جداً، من شدة فقره جاء بكيس قمح وفتحه من نصفه لرأسه ومن الطرفين ليديه، وربطه بحبل، سألوه أن ينام مع والدهم في القبر مقابل المال، فوافق ونام مع أبيهم، جاء الملكان استغربوا من وجود شخصين في القبر، لأن العادة أنه يوجد شخص واحد، فرأوا أن هذا الفقير مازال على قيد الحياة، وبدؤوا بسؤاله، شاهدوا الحبل، يلبس الكيس وربطه بحبل، لا يوجد أفقر من هذا، سألوه: أن هذا الحبل من أين أتيت به؟ قال لهم: من البستان، قالوا: له: كيف دخلت إلى البستان؟ لم يستطع أن يجيب، أشبعوه ضرباً، خرج من القبر وقال: أعان الله أباكم! والله يا أخوان؛
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْـَٔلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (93)﴾
كمال الخلق يدل على كمال التصرف:
إخواننا الكرام؛ هذا الإله العظيم كل شيء في الكون متقن، ألا تستنبط أن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، هل من الممكن أن يعيث الإنسان في الأرض فساداً، يبني مجده على أنقاض الآخرين، يبني حياته على موتهم، يبني عزّه على ذلهم، يبني غناه على فقرهم، وينتهي الأمر؟!

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾
﴿ أَيَحْسَبُ ٱلْإِنسَٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّۢ يُمْنَىٰ (37)﴾
فالبطولة -أيها الإخوة- مبدئياً لا تحب أحداً أحب نفسك فقط، أحب نفسك وغذّي عقلك بالعلم، وقلبك بالحب، وجسمك بالطعام والشراب، اطلب العلم وابحث عن الحقيقة التي غفل عنها معظم الناس، وفكّر في المستقبل في أخطر حدث مستقبلي، فلذلك -أيها الإخوة- ورد في القرآن:
﴿ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)﴾
في أصل خلقه نقطة ضعف:
﴿ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ (22)﴾
المصلي مستثنى من الجزع، ومن الهلع، ومن الحرص ﴿إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ﴾
التفكّر أقصر طريق إلى الله:
إخواننا الكرام؛ يوجد في العالم الإسلامي مليار وثمانمئة مليون مسلم، و كما تعلمون أن الحقيقة المُرّة أنا أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح، مليار وثمانمئة مليون ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، والله -عزَّ وجلَّ- يقول:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

هذا حق على الله، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين:
﴿إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ﴾ لذلك ورد في الأثر:
"ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي" ، يا ترى إبليس مؤمن؟ سؤال دقيق، أنا أقول لك: مؤمن.
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾
آمن به رباً، وآمن به عزيزاً لكن ما آمن به عظيماً، قال تعالى:
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍۢ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَٱسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ (33)﴾
ضع تحت كلمة (عظيم) ضع عشرة خطوط، ﴿إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ﴾ ، متى تؤمن بالله العظيم؟ إذا تفكرت في خلق السماوات والأرض، كلكم يعلم أن آية الأمر تقتضي أن نأتمر، آية النهي تقتضي أن ننتهي، آية قصة الأنبياء تقتضي أن نتعظ، لا يوجد آية إلا ويقابلها موقف منك، إذا ألف وثلاثمئة آية عن الكون، ماذا تقتضي؟ أن نتفكّر في خلق السماوات والأرض، إذا تفكّرنا في خلق السماوات والأرض كان هذا التفكّر أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، أي الإله العظيم لا يحتاجنا؛ غني عنا لكن نحن بحاجة إليه؛ لذلك سنقدم لكم ومضة سريعة قبل انتهاء الوقت.
ومضة عن الإعجاز العلمي في خلق السماوات والأرض:
بين الأرض وبين الشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، والشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي مليون وثلاثمئة ألف أرض تدخل في جوف الشمس، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، قال بعض علماء الفلك: في أبراج السماء برج اسمه (قلب العقرب)، قال تعالى:
﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ(1)﴾
يوجد برج اسمه (برج العقرب) فيه نجم صغير أحمر متألق اسمه (قلب العقرب)، هذا النجم الصغير الأحمر المتألق الذي هو قلب العقرب في برج العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وهذا النجم الصغير (قلب العقرب) يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يُعصى؟! ألا تُرجى جنته؟! ألا تُخشى ناره؟!
تعصي الإله وأنت تظهر حبـــه ذاك لعمري في المقام شنيــــــع
لو كان حبك صادقاً لأطعتــــــه إن المحب لمن يحب يطيـــــــع
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجـبـــا فإنا منحنا بالرضا من أحبنـــــا
ولذ بحمـــانا واحتمِ بجنــابنـــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـا
وسلّم إلينا الأمر في كل ما يكـن فما القرب والإبعاد إلا بأمـرنــا
فيا خجلي منه إذا هـو قال لــــي أيا عبدنـــــا ما قـــــرأت كتابنا
أما تستحي منا ويكفيك ما جـرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنا
أيها الإخوة الكرام؛ القضية خطيرة جداً، قضية سعادة أو شقاء إلى الأبد، فنحن حينما نقول كما ورد في الأثر: ليس كل مصلّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي" ، التفكر في خلق السماوات والأرض طريق تعظيم الله -عزَّ وجلَّ-، وكف الشهوات عن محارمه، يوجد في الإسلام شيء هو الاستقامة، ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، إذاً "إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظتمي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصرّ على معصيتي -هناك التوبة- وأطعم الجائع -العمل الصالح- وكسا العريان، ورحم المصاب، كل ذلك لي -إخلاص- وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة له نوراً يدعوني فألبيه، يسألني فأعطيه، يقسم عليّ فأبره، أكلؤه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها" .
إخواننا الكرام؛ الموضوع الديني موضوع مصيري متعلق بمصير الإنسان في الدنيا والآخرة، موضوع خطير جداً لأن الله -عزَّ وجلَّ- حملك أمانة، ونفسك أمانة بين جنبيك، وقد قال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّىٰهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا (10)﴾
تزكيتها بمعرفة الله، معرفة كتابه، القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي -عليه الصلاة والسلام - قرآن يمشي، فلذلك قضية الدين قضية مصيرية، واتق الله حيثما كنت، في الشرق الأوسط، في أمريكا، بأوربا، في آسيا، في اليابان، اتق الله حيثما كنت.
أيها الإخوة الكرام؛ أرجو الله -سبحانه وتعالى- أن ننتفع جميعاً بهذه الحقائق التي هي أساس سعادتنا وتفوقنا، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- النبي المرسل.
تعريف الإنسان وأسباب نجاته:
أيها الإخوة الكرام؛ الله -عزَّ وجلَّ- يقول في محكم كتابه في سورة قصيرة نقرؤها جميعاً في معظم صلواتنا، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ (2)﴾

هذه الواو واو القسم كما يقول علماء اللغة، أي الله -عزَّ وجلَّ- يقسم بالعصر، والعصر مطلق الزمن، وعند العلماء المحدثين الزمن هو البعد الرابع للأشياء، أي شيء له طول وعرض وارتفاع، فإذا تحرك له بعد رابع هو الزمن، الحقيقة أنه يوجد تعريف للإنسان للإمام الحسن البصري ما وجدت تعريفاً أدق منه ولا أعمق منه: "الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه"، لأن الزمن هو أنت، أو أنت بضعة أيام، فكلما انقضى يوم انقضى بضع منك، فلذلك يجب أن تتعامل مع الزمن تعاملاً ذكياً، كيف؟ هذا الزمن الذي نملكه جميعاً كأحياء ينفق بطريقتين؛ يُنفق إنفاقاً استهلاكياً كما يفعل معظم الناس يأكلون ويشربون ويتمتعون، ثم يفاجؤون بالموت هذا إنفاق استهلاكي، لكن البطولة والعقل والذكاء والتفوق والتوفيق أن يُنفق هذا الزمن إنفاقاً استثمارياً أي أن تفعل في هذا الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن، إما أن تنفقه كمعظم الناس إنفاقاً استهلاكياً أو أن تنفقه إنفاقاً استثمارياً، الإنفاق الاستثماري أشارت إليه السورة الكريمة:﴿وَالْعَصْرِ﴾، أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن، أقسم له وجاء في جواب القسم أنك أيها الإنسان خاسر، كلام خالق الأكوان:
﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ﴾ ، خاسر لماذا يا رب؟ قال: لأن مُضي الزمن وحده يستهلكك، سبت أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس جمعة، مضى أسبوع، أسبوع ثانٍ، ثالث، رابع، مضى شهر، شهر ثان، ثالث، رابع، مضى فصل، فصل ثان، ثالث، رابع، مضت سنة، عشر سنوات عقد، وحياة الإنسان عدة عقود، يتفاجأ بانتهاء الأجل،
"عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت" ، فأنت زمن، فلما أقسم الله لك بمطلق الزمن جاء في جواب القسم:
﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ﴾ خاسر، يا رب هل من طريقة لتلافي هذه الخسارة؟ قال: نعم.، قال:
﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ (3)﴾
رحمة الله في (إلا)، ﴿وَالْعَصْرِ*إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ* إِلَّا﴾ من هؤلاء يا رب؟ ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، وإلا لا قيمة له إطلاقاً، لا تعبأ بإيمان لا يودي بك إلى الطاعة، الإيمان الذي يحملك على طاعة الله هو الإيمان المقصود بكل كلمات الإيمان في القرآن والسنة، أما إيمان من دون فعل فإبليس آمن، ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ﴾ فالعبرة أن هذا الإيمان يُبنى عليه استقامة، التزام، وقوف عند المحرمات، تأمل في ملكوت الأرض والسماوات، عمل صالح، عطاء، فما لم يكن الإيمان محركاً وموجهاً لك أيها الإنسان لا قيمة لمعتقدات لا تقدم ولا تؤخر، لذلك -أيها الإخوة- قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ* إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ ، هل يا ترى الإنسان أحياناً يكتب إلى جانب اسمه حرف الدال- أي دكتور- بكل بساطة؟ لا، أي معه شهادة ابتدائية حتماً، وإعدادية، وثانوية، وشهادة في الآداب أو ليسانس في العلوم، ودبلوم عامة ودبلوم خاصة، وماجستير ودكتوراة، ثلاث عشرة شهادة مختصرة بحرف دال، وكلمة مؤمن الذي يستحق دخول الجنة ألا يوجد أعمال له؟ ألا يوجد جهد؟ ألا يوجد التزام؟ ألا يوجد توقف؟ يفعل ما يشاء؟ يأكل ما يشاء؟ يلتقي مع من يشاء؟ يطلق عينيه في الحرام؟ يكذب؟ يغتاب؟ هكذا؟! مستحيل! فلا بد من منهج فلذلك الإنسان خاسر؛ لأنه إذا عدّ نفسه كائناً يعيش ثم يموت، يأتي الموت وينهي كل شيء، الموت يا إخوان ينهي قوة القوي، وضعف الضغيف، وذكاء الذكي، وغباء الغبي، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم، ينهي كل شيء، فالبطولة والذكاء والعقل أن تخطط لما بعد الموت،"عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت" .
أيها الإخوة الكرام؛ ﴿وَالْعَصْرِ﴾ قسم، جواب القسم: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ* إِلَّا﴾ أربع صفات لمن ينجو من هذه الخسارة: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ ، أعيد وأكرر: لا يمكن أن يكون الإيمان بلا جهد، طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب، أي عمل فعلته كي تكون مؤمناً؟ حضرت مجلس علم؟ قرأت القرآن؟ قرأت تفسيره؟ قرأت الحديث الشريف؟ قرأت شرحه؟ أي الإنسان يحتاج إلى شحن علمي وشحن روحي، فما لم يشحن نفسه شحناً دورياً لا ينجو من عذاب الله لا في الدنيا ولا في الآخرة: ﴿ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بٱلْأٓخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَٰطِ لَنَٰكِبُونَ﴾ فلذلك ورد في الأثر: "ما من عبد يعتصم بي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السموات بمن فيها، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه"
(( من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ ))
[ أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]
إذاً: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ* إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ اسأل نفسك متى آمنت؟ كم درساً تحضر كي تؤمن؟! كم كتاباً قرأت حتى آمنت؟! القرآن قرأته، قرأت تفسيره، أي هل يوجد بحياتك وقت تستقطعه لمعرفة الله لكي تكون مؤمناً؟ فالإنسان الذي يدع نفسه هكذا دون أن يلتزم بدرس علم، بطلب علم، بمتابعة موضوع، دون أن يترجم هذه المعلومات إلى سلوك يومي والتزام هو في خسارة، لذلك الإيمان والعمل أصل في هذا الدين العظيم: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ* إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾
ضرورة التفكّر في خلق السماوات والأرض:
التفكر في خلق السماوات والأرض:
﴿ وَفِى ٱلْأَرْضِ ءَايَٰتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20)﴾
فمثلاً بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، ماذا تعني أربع سنوات ضوئية؟ يقطع الضوء في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، بالدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربع سنوات ضرب أربع، ابنك الصغير بآلة حاسبة بدقيقة يحسب لك المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب، أربع سنوات ضوئية، لو أنه يوجد مركبة أرضية لهذا النجم كم نحتاج لكي نصل إليه؟ دقق الآن، نحتاج إلى خمسين مليون عام، خمسون مليون عام من أجل أن تصل إلى أقرب نجم ملتهب عدا الشمس، دقق الآن أربع سنوات ضوئية، متى أصل إلى نجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية؟ متى أصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية؟ متى أصل إلى بعض المجرات التي اكتشفت حديثًا؟ أربعة وعشرون ألف مليون سنة ضوئية، اقرأ القرآن:
﴿ فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ (75) وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلّك فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا عن الآخرة فيخسرهما معاً، ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ جهد ووقت دوري متكرر، طلب علم، فهم كتاب الله، فهم السنة الشريفة، فهم المنهج الدقيق، لابد من أن تقتطع من وقتك وقتاً ثميناً لمعرفة الله، لأن أصل الدين معرفته، والكلام الدقيق الدقيق: إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر فتتفنن في التفلت من الأمر، قد تأتيك ورقة من دائرة البريد: تعال غداً تسلّم الرسالة الساعة العاشرة، لا تتحرك فيك شعرة، وقد تأتي ورقة من جهة تخافها: تعال غداً، لا تنام الليل، ما الفرق بين الورقيتن؟ الآمر، إذا عرفت من الآمر، تفانيت في طاعته، أما إذا ما عرفته، تفننت في معصيته.
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم:
كأنني أضع يدي أحياناً على مشكلة العالم الإسلامي، مليار وثمانمئة مليون كلمتهم ليست العليا.
﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚوَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ (55)﴾

هل نحن مستخلفون؟! لا والله،
﴿كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ﴾ هل هذا الدين العظيم مُمكّن في الأرض؟! لا والله،
﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ هل نحن آمنون؟! لسنا مستخلقين ولا ممكنين ولا آمنين، الجواب:
﴿يَعْبُدُونَنِى﴾ ، فإن نحن قصرنا في عبادتنا فالله -جلّ جلاله- في حِلّ من وعوده الثلاثة، لذلك:
"ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصرّ على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، يسألني فأعطيه، يقسم عليّ فأبره، أكلؤه بقربي، أستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس، لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها" .
﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ* إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ﴾ التواصي بالحق أحد أركان النجاة.
(( بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.))
[ أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو ]
هذه الدعوة إلى الله كفرض عين، أي شيء سمعته أبلغه للآخر، لزوجتك، لأولادك، لجيرانك، لشركائك، في سهرة، هكذا قال خطيب المسجد..، بلّغ، ﴿وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ﴾ والرابعة: ﴿وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ﴾ أي ينبغي أن تصبر على معرفة الله، والاستقامة على أمره، والدعوة إليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أشرف خلق الله أجمعين، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيمن أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعزّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تُنسنا ذكرك، ووفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى، واحقن دماء أهل الشام وانصرهم على أعدائهم يا رب العالمين، والحمد لله رب العالمين، عباد الله:
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾
الملف مدقق