الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى المليك:
أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم المليك، هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾
العلم والعمل مقياسان شرعيان لتقييم الناس:
أيها الإخوة؛ البشر لهم مقاييس، يُكْبرون الغني، يُكْبرون القوي، يُكْبرون الوسيم، يُكْبرون الذكي، لكن خالق البشر من خلال القرآن الكريم يعتمد قيمة العلم، وقيمة العمل، قال تعالى:
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)﴾
فالقرآن الكريم من عند الخالق العظيم اعتمد قيمة العلم والعمل، بينما أهل الدنيا اعتمدوا القوة والمال، والوسامة والذكاء، والبطولة أن تأتي مقاييسك وفق مقاييس القرآن، لا وفق مقاييس البشر، لذلك:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. ))
فالبطولة أن يكون لك ﴿مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ لا أن تكون لك مكانة عند أهل الأرض وأنت لا ترضي الله، البطولة أن تكون لك مكانة عند المليك المقتدر.
لذلك من أدق تعريفات الولي في القرآن الكريم تعريف بسيط، بالمناسبة ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، تعريف الولي في القرآن الكريم:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾
فقط،
(( سيدنا سعد بن أبي وقاص كان خال النبي، وكان عليه الصلاة والسلام يحبه كثيراً ويداعبه، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ. ))
وما فدّى أحداً من أصحابه كما فدّى سعد بن أبي وقاص،
(( فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: يَا سَعْدُ ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.))
ومع ذلك قال له سيدنا عمر بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام: يا سعد، لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخَلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾
المعنى الأول من اسم المليك أن يكون لك عند هذا الإله العظيم المليك مقعد صدق:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ وقد ورد أيضاً في السنة الصحيحة حيث:
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه، قال: يا رسول الله مُرني بشيء أقوله إذا أصبحت؟ قال: قُلِ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، عالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ، قالَ: قُلْها إذَا أصْبَحْتَ، وَإذَا أمْسَيْتَ، وَإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ. ))
إذاً ورد هذا الاسم في القرآن وفي السنة، كتعليق على هذا الحديث، ورد من بعض أقول العلماء: لابدّ للمؤمن من مؤمن يحسده أحياناً، مؤمن لكنه يحسده، ومن منافق يُبغضه، ومن كافر يُقَاتله، ومن شيطان يُغويه، ومن نفس تُرديه.
هذه حقيقة، ومعركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، ووطن نفسك أنه لابد من أن يكون للحق من يعارضه، هذا شيء طبيعي جداً.
أيها الإخوة؛ الملك الذي يحكم ولا يملك، والمالك هو الذي يملك ولا يحكم، إنسان مالك أرضاً، وهناك إنسان ملِك، هذه الأرض لا يملكها الملك، لكنه يحكمها، ومالك هذه الأرض لا يحكم، لكن الله جلّ جلاله ملك ومالك، أي يملك ويحكُم، والمُلك في الدنيا والملكوت في الآخرة، المُلك في عالم الشهادة، والملكوت في عالم الغيب، والله جلّ جلاله مالك المُلك والملكوت.
الله مالك كل شيء خَلقًا وتصرُّفًا ومصيرًا:
المليك ملِك ومالك، وصاحب الملك والملكوت، والمليك-دققوا الآن-يملك كل شيء، خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، للتوضيح: قد تملك منفعة البيت ولا تملكه، قد تملك منفعة البيت ولا تملك رقبته، البيت ليس لك، لكنك مستأجر، وقد تملك رقبة البيت ولا تنتفع به، إذا كان مؤجر سابقاً على قانون الإيجار السابق، قد تملك رقبة البيت ولا تملك منفعته، وقد تملك رقبة البيت ومنفعته ولا تملك مصيره، فقد يأتي مشروع تنظيم يؤخذ البيت، للتوضيح: قد تملك المنفعة ولا تملك الرقبة، وقد تملك الرقبة ولا تملك المنفعة، وقد تملكهما معاً ولا تملك المصير، لكن:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
الله جلّ جلاله يملك كل شيء خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، معمل طائرات حربية يصنع طائرة، صنعها وباعها، الآن أمرها بيد مَن؟ بيد من اشتراها، فقد تقصف بلاداً لا يرضى صانع الطائرة أن تُقصف، لكنها خرجت من يده، أما ولله المثل الأعلى:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾
يملك ويحكم.
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾
قد تصنع طائرة، وقد تأتمر بأمرك، ولكن قد تفاجَأ بأنها سقطت، لا تملك مصيرها، للتوضيح، فالله عز وجل مالك المُلك والملكوت، ملِك ومالك، مالك كل شيء خَلقاً وتصرفاً ومصيراً.
المليك صفة تدل على كمال الملكية ودوامها أزلاً وأبداً:
المليك أيها الإخوة؛ صيغة مبالغة، وقاعدة ثابتة أن الأسماء الحسنى إذا وردت بصيغة المبالغة فتعني الكم والنوع معاً، أي أعلى درجات الملك نوعاً، ويملك الله كل شيء، إن الله يرى دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، هذه الصفة المليك تدل على كمال الملكية، كمال الملكية ودوامها أزلاً وأبداً.
الله تعالى مالك الحياة ومالك الرزق:
الآن الله عز وجل مليك بمعنى مالك لكل شيء يُملّك، يملك الحياة، هو الذي يهَب الحياة، وهو الذي يأخذها، هناك قصة؛ طائرة على ارتفاع ثلاثة وأربعين ألف قدم، تطير فوق جبال الألب، حصل فيها انفجار فانشطرت شطرين، وقع أحد ركابها، في مكانه مكان الشطر، وقع من ارتفاع ثلاثة وأربعين ألف قدم، نزل فوق غابة كبيرة من غابات جبال الألب، فوق هذه الغابة خمسة أمتار من الثلج، وأغصان الأشجار كانت ماصة للصدمة فنزل واقفاً، لأن الله يملك الحياة، بالمقاييس الأرضية مستحيل إنسان يقع من ارتفاع ثلاثة وأربعين ألف قدم ويبقى حياً.
وهناك قصة قبل عشر سنوات تقريباً تحطمت نافذة طائرة، وكان إلى جانب هذه النافذة امرأة من الباكستان معها ولدان صغيران، فخرجا من نافذة الطائرة، لأن الطائرة مضغوطة ثمانية أمثال حاجتها من الهواء، طبعاً الموت محقق على ارتفاع خمسين ألف قدم، الطائرة تتجه إلى الباكستان من السعودية، الشيء الذي لا يصدق أن الطفلين بقيا حيّين، لأنهما سقطا إلى جانب صياد، فرأى شيئاً من السماء يسقط، تتبّع الشيء فإذا هما طفلان، أخذهما إلى القارب وأبلغ السلطات، وبُلّغت السفارة في الباكستان، وجاءت الأم وأخذت ولديها.
الله عز وجل واهب الحياة، وهو الذي يأخذ الحياة على أقلّ سبب، أي قصص لا تُعدّ ولا تحصى، يتمتع بأعلى درجات الصحة، لا يشكو من شيء، بثانية واحدة يصبح خبراً على الجدران، فلذلك الله مالك الحياة، ومالك الرزق.
وَلَو كانَتِ الأَرزاقُ تَجري عَلى الحِجا هَلَكنَ إِذاً مِن جَهلِهِنَّ البَهائِــــمُ
إنسان يتمتع بأعلى درجات الذكاء ورزقه محدود جداً، وإنسان أقل ذكاء منه بكثير له رزق وفير، مالك الحياة، مالك الرزق، مالك السمع والبصر والقوة، ومن أدق أدعية النبي عليه الصلاة والسلام
(( أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا. ))
أي من تكريم الله للإنسان أن يُمتعه بسمعه وبصره، وعقله وقوته ما دام حياً، هذا العالم الجليل الذي عاش ستة وتسعين عاماً، وكان منتصب القامة، حاد البصر، مُرهف السمع، حاد الرؤية، وحاد السمع، كان يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
الشريان التاجي من يملكه؟ أحياناً يضيق تبدأ المتاعب التي لا تنتهي، بدءاً من قسطرة إلى زرع شريان أو إلى وضع دعامة كما يقولون، أو إلى تجريف، أو إلى استخدام البالون، هذا الشريان الذي قطره ميليمتر وربع، كل نشاطك وحيويتك وحركتك وصعودك على الأدراج، وسيرك السير الحثيث بسبب أن هذا الشريان التاجي لم يتضيق بعد، فإذا تضيق يدخل الإنسان في متاهة لا تنتهي، من يملك هذا القطر؟ قد يُفحص عن طريق القسطرة إنسان عمره سبعون سنة كل الشرايين واسعة وسليمة، وقد تجد إنساناً في الأربعين يقول لك: خمسة شرايين مسدودة، من يملك هذا الشريان؟ من يملك هذا الشريان الواسع لا الضيق؟
من يملك نمو الخلايا؟ إذا نَمت الخلايا نمواً عشوائياً انتهى الإنسان، الورم الخبيث يصيب كل الأعمار، ويصيب كل أجزاء الجسم، يوجد بالدماغ، يوجد بالجلد، يوجد بالعظام، يوجد بالجهاز الهضمي، يوجد بالعقد اللمفاوية، مَن يملك نمو الخلايا؟ الله جلّ جلاله، من يملك الشرايين؟ من يملك مرونتها؟ الله جلّ جلاله، مَن يملك سيولة الدم؟ الله جلّ جلاله، مَن يملك من حولك؟ الله جلّ جلاله، مَن يملك مَن فوقك؟ الله جلّ جلاله، مَن يملك مَن دونك؟ الله جلّ جلاله، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ أحياناً الإنسان لضعف إيمانه ولجهله يتوهم أنه يفعل ما يشاء، لكن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)﴾
أي أنت في قبضة الله ولو كنت قوياً، ولو كنت غنياً، مرة أخ والله أظنه صالحاً، ولا أُزكي على الله أحداً، قال كلمة خطيرة، قال: الدراهم مراهم، تُحلّ بها كل المشكلات، فأدّبه الله بأن أدخله المنفردة، وبقي فيها سبعة وستين يوماً، وفي كل يوم يقول: الدراهم مراهم؟! لم تُحل هذه المشكلة بالمال.
الإنسان في أية لحظة هو في قبضة الله:
لذلك الإنسان إذا عرف اسم المليك بيده كل شيء، بيده حواسك، بيده نشاطك، قدرتك، بيده زوجتك، بيده أولادك، إذا رضي الله عنك خدمك عدوك، وإذا غضب عليك تطاول عليك أقرب الناس إليك.
بالمناسبة المتانة صفة في الأجسام عبّر عنها العلماء بأنها مقاومة قوى الشدة، والفولاذ المضفور أمتن عنصر في الأرض، لذلك الجسور المعلقة، والتلفريك، والمصاعد تستخدم الفولاذ المضفور، أما القساوة مقاومة قوى الضغط، أقسى عنصر في الأرض هو الألماس، لذلك الحفارات تستخدم رؤوساً من الألماس، الآن لماذا جاءت هذه الآية؟ ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أي الإنسان مربوط بحبل مهما كان قوياً لا ينقطع، مهما كان غنياً لا ينقطع، في أية لحظة هو في قبضة الله، هذا شعور المؤمن.
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾
القوة بيده، السمع بيده، البصر بيده، العقل بيده، الشريان التاجي بيده، سيولة الدم بيده، نمو الخلايا بيده، الكبد، القلب، الكليتان، فشل كلوي، تشمع كبد، هناك أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ وهو المليك.
مِن لوازم المليك أن كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع:
لكن الآن نحتاج إلى حقيقة خطيرة كي ينسجم الإيمان مع ما يحدث، كي ينسجم الإيمان بأن الله مليك يملك كل شيء مع ما يحدث، هناك مقولة رائعة: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، لأنه لا يليق بمقام الألوهية أن يقع في ملكه ما لا يريد، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، بل لكل واقع حكمة، ولو كان المُوقِع مجرماً، هذا الإيمان، لكل واقع حكمة، ولو كان المُوقِع مجرماً، ما دام قد سمح الله بوقوعه فلابد من حكمة، عرفها مَن عرفها، وجهلها مَن جهلها، لكل واقع حكمة.
الشر المطلق لا وجود له في الكون:
لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون، اطمئنوا، الشر المطلق أي الشر من أجل الشر لا وجود له في الكون، هناك شر نسبي موظف للخير المطلق، الشر المُطلق يتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بوجود إله عظيم، حكيم رحيم، فعّال لما يريد، أو بشرّ مطلق، هناك شر نسبي، أي الله عز وجل يُوظف شر الإنسان للخير المطلق.
الآن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، أبداً، إذاً الآن النتيجة، كل شيء وقع مع أنه على الشبكية نتوهم أن فلاناً وقّع هذا القرار، فلاناً غزا هذه البلاد، فلاناً اتّخذ قراراً بإعلان الحرب، كنتيجة توحيدية كل شيء وقعَ وقع ضمن خطة الله، بل إن خطة الله استوعبت خطة القوي الظالم.
مرة سألوا تيمور لنك: من أنت؟ سبحانك يا رب! أجاب إجابة رائعة، قال: أنا غضب الرب، حينما يغضب الإنسان قد يضرب، وقد يكسر، وقد يصيح، وقد يشتم، فإذا غضب الله عز وجل يبعث تيمور لنك، سُئل: من أنت؟ قال: أنا غضب الرب، الدليل القرآني:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾
هذا الشر النسبي، ﴿وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ الآن توظيف الشر النسبي من الطغاة والظُّلّام للخير المطلق.
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾
هذه سياسة الله، وأسأل الله أن تكون هذه الهجمة الشرسة على المسلمين من هذا القبيل: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ .
نِقم الله لا تُدفع بالسيوف وحدها بل تُدفع بالتوبة والإنابة أولاً ثم بإعداد القوة ثانياً:
إخوتنا الكرام؛ ابتلي المسلمون برجل بطّاش في العصور السابقة، فجاء نفر من علية القوم إلى الإمام الحسن البصري، والإمام الحسن البصري والله له كلمة تُكتب بماء الذهب، لما كان عند والي البصرة، وجاء توجيه من يزيد إنْ نفّذه أغضب الله، وإن لم ينفذه أغضب يزيد فعزله، قال له: ماذا أفعل؟ فقال له الحسن البصري: إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله، هذه مقولة تكتب بماء الذهب، إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله، فهذا النفر جاء إلى الحسن البصري يشكون له هذا الجبار القاسي العنيف، ماذا ينبغي أن يفعل؟ أو ماذا ينبغي أن يفعلوه معه؟ فقال: تعلمون رأيي فيه؟ قالوا: ولهذا أتيناك، قال: لا تخرجوا عليه، لأن ظلم القوي هي نِقمة الرب، وإن نِقم الله عز وجل لا تُدفع بالسيوف وحدها، بل تُدفع بالتوبة والإنابة أولاً، ثم بإعداد القوة ثانياً، كما فعل صلاح الدين الأيوبي، حينما أزال كل المنكرات، وعلّم الأجيال العقيدة الصحيحة، والاستقامة التامة، وبعدها واجه الغرب، فلابد من توبة وأوبة وعودة وإقبال وصلح مع الله أولاً، ثم لابد من إعداد العُدة المتاحة، والقوة المتاحة، عندئذٍ يكون نصر الله عز وجل.
قال: وإنها إن عُولجت بالسيوف وحدها من دون إنابة إلى الله كانت الفتنة أقطع من السيوف، كما ترون فيما يجري حولنا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق