الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى السُّبُّوح:
أيها الإخوة الأكارم؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم السّبُّوح، فقد ورد هذا الاسم في السنة المطهرة في صحيح مسلم،
(( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ. ))
السُّبُّوح من التسبيح، والتسبيح هو التعظيم والتنزيه بالضبط.
على الإنسان أن يذكر الله ذكراً كثيراً:
لابد من وقفة متأنية إذ أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾
الأمر ينصب لا على الذكر، بل على الذكر الكثير، لأن المنافق يذكر الله، يقول الله عز وجل عن المنافقين:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)﴾
فإذا قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ فالأمر ينصب على كلمة كثيرًا، قياساً على هذه القاعدة الله عز وجل يقول يصف الذي لا يصلي في الدنيا:
﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)﴾
تحت عظيم خط، بمعنى أن إبليس كان يؤمن بالله، الدليل:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾
آمن به رباً، وآمن به عزيزاً.
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)﴾
آمن باليوم الآخر، قال:
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)﴾
آمن به خالقاً، فإذا قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ الأمر يتجه إلى الذكر الكثير، لذلك قالوا: برئ من النفاق مَن أكثر مِن ذكر الله، وبرئ مِن الشح مَن أدى زكاة ماله، وبرئ مِن الكِبر مَن حمل حاجته بيده، إذاً: إذا قال الله عز وجل: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ المطلوب هو الذكر الكثير، وإذا أُمِرنا أن نسبح الله فالمقصود التعظيم والتنزيه.
معنى سُبُّوح أي هو الذي يُسبَّح ويُقدّس، والسُّبُّوح على وزن فعّول، مبالغة مِن سبّح يُسبِّح تسبيحاً، أي أنه مهما سبحته فلا يمكن أن تصل إلى ما ينبغي، ومهما قدّسته لا يمكن أن تصل إلى ما ينبغي، لأن سُبُّوح من صيغ المبالغة، وإذا وردت أسماء الله الحسنى بصيغة المبالغة فتعني الكم والنوع، أي لو سبّحه كلُّ الخلائق لا يكفي لأن يكون التسبيح كما ينبغي، ولو سبّحه أعظم الخلائق، النبي عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم، وهو في سدرة المنتهى تسبيحه ليس كما يمكن أن يكون مع الله عز وجل، لأنه لا يعرف الله إلا الله.
أيها الإخوة؛ إذا قال واحد منا: فلان سبّح في كلامه، أي أكثر من تسبيح الله، لكن في هذه اللغة العظيمة التي اختارها الله لغة لكلامه:
﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)﴾
يوجد كلمات يمكن أن تُعَبر عن جمل، هذا اسمه النحت، فإذا قلت: سبحان الله، يُقال: فلان سبحل، فإذا قلت: أدام الله عزك، يقال: فلان دمعز، فإذا قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال: فلان حوقل، فإذا قلت: لا إله إلا الله، يقال: فلان هلّل، فإذا قلت: الله أكبر، يقال: فلان كبّر، هذا من دقائق اللغة العربية.
من سبّح الله فهو في الأفق الأعلى:
أيها الإخوة؛ التسبيح التعظيم، تعظيم الله في كل كمالاته، هو غني عن تعظيمنا، لكننا إذا عظمناه سعدنا بقربه في الدنيا والآخرة.
﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)﴾
لكن إذا سبحناه من أجلنا، من أجل سعادتنا، من أجل سرورنا، من أجل طمأنينتنا، من أجل أن نكون موفَّقين، فلذلك:
﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)﴾
يوجد أمر إلهي بالتسبيح، التسبيح التعظيم، حينما تُسبح الله أنت في الأفق الأعلى، أنت في عظائم الأمور، لا في سفاسفها، أحياناً يشتغل الإنسان بالسفاسف، متى يندم؟ حينما يرى أنه ضيّع حياته في سفاسف الأمور، ونسي الآخرة التي هي العطاء الكبير الذي إذا فات الإنسانَ هذا العطاءُ فاته كل شيء.
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾
كل شيءٍ يقرِّبك من الله هو تسبيحٌ:
أنت حينما تفكر في كمالات الله، في رحمته، في حلمه، في قوته، في قدرته، في لطفه، في جبروته، في انتقامه، هذه كلها كمالات الله، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
فجزء كبير من عبادتك أن تُسبح الله عز وجل، أحياناً لو حدثتنا عن المجرات، أنت لم تقل: سبحان الله، حديثك عن المجرات تسبيح لله، إن حدثتنا عن العين، تسبيح لله، إن قرأت كتاباً في الفقه، وعظّمت هذا الأمر الإلهي، أنت بهذا تُسبِّح الله، يعني أيّ شيء يقربك من الله تسبيح، أي ذكر لله تسبيح، أيّ ذكر لآياته تسبيح، أي شرح لقرآنه تسبيح، أنت تَسبَح في كمالاته، والسبح هو الفراغ.
﴿ إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)﴾
فيوجد معك مجال لا ينتهي، المال ينتهي، تأكل فتشبع، ترتدي ثياباً جديدة، تنام على سرير، هذا السقف، لو معك مليارات، لو تملك أموال أهل الأرض، لا يمكن أن تأكل إلا وجبة تملأ بها معدتك، تنام على سرير واحد، ترتدي ثوباً واحداً.
المشكلة أيها الإخوة؛ أن الدنيا محدودة، ولها سقف، لكنك إذا خرجت من ذلك إلى معرفة الله هناك اللانهاية، هناك تتصل بخالق السماوات والأرض.
التسبيح تنزيه الله عن كل شيءٍ لا يليق به:
إذاً التسبيح هو التعظيم، تعظيم الله عز وجل في كمالاته، والتسبيح تنزيه الله عن الصاحبة والولد.
﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)﴾
والتسبيح تنزيه الله عن كل ما لا ينبغي له، يقول لك: خَلَقه كافراً، وكتب عليه الكفر، وجاء إلى الدنيا، وحقق إرادة الله، فاستحق النار إلى أبد الآبدين، من قال لك ذلك؟ هذا عكس التسبيح.
﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)﴾
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾
أن تتوهم أن الله أجبر عباده على أفعالهم، كيف يحاسبهم إذاً؟ كيف يحاسبهم وقد أجبرهم على أفعالهم؟ لمن الحُجة إذاً؟ قال تعالى:
﴿ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)﴾
من التسبيح تنزيه الله عن الظلمِ:
من التسبيح أن تُنَزهه عن الظلم، قال تعالى:
﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)﴾
﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)﴾
﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)﴾
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾
أيها الإخوة؛ فالتسبيح أن تُنَزّه الله عن الصاحبة والولد، وأن تُنَزّه الله عن كل ما لا ينبغي له، بل أن تُنَزّهه عن الشريك والند، وعن المثيل والضد.
لله أوصاف الكمال والجمال بلا نقص وله الأفعال المقدسة عن الشر والسوء:
قال بعضهم: السُّبُّوح له أوصاف الكمال والجمال بلا نقص، الإنسان ماذا يحب؟ بعضهم أجمل ما يحبه الإنسان بثلاث كلمات، الإنسان يُحبّ الكمال والجمال والنوال، يُحِبّ العطاء، يُحبّ الجمال، يُحبّ الكمال، والله سبحانه وتعالى مصدر للجمال والكمال والنوال، أفعاله كاملة، الاتصال به يُسعد، منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، أنت تحب الجمال والكمال والنوال، وهذه هي من عند الله، هو منبع الجمال، والكمال والنوال، إذاً له أوصاف الكمال والجمال بلا نقص، وله الأفعال المقدسة عن الشر والسوء.
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾
الخير، لم يقل والشر، لأن الشر المطلق لا وجود له في الكون.
كلُّ شيءٍ في الكون يسبِّح اللهَ:
أيها الإخوة؛
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)﴾
أما يستحي الإنسان أن يكون كل شيء في الكون يسبح الله عز وجل والإنسان غافل؟
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ .
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)﴾
سجودها عبادة لخالقها، لكن لا نفقهها، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ .
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعتــه إن المحب لمن يحــب يطيـع
شيء آخر أيها الإخوة؛
﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)﴾
حجر يهبط من خشية الله بنص القرآن الكريم، والإنسان قلبه كالحجر، لا يتأثر، ولا يرحم، ولا يبكي، ولا يخشع.
﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)﴾
علم الله هبوطها من خشيته، أنا أُطلعكم على آيات قرآنية تتحدث عن تسبيح الكون له فإذا كان الإنسان غافلاً ما موقفه يوم القيامة؟
أيا غافلاً تبدي الإساءة والـجهــلا متى تشكر المولى على كل ما أولى؟
عليك أياديه الكرام وأنت لا تراها كأنك العين عميـاء أو حــــــــــــــولا
لأنت كمزكوم حوى المسكَ جيبُـه ولكنه الـــمحروم ما شمــّه أصــــــلا
ألا يستحي الإنسان أن يكون كل من في الكون يسبح الله عز وجل وهو غارق في شهواته ونزواته؟!!
الله تعالى لا تدركه الأبصار لكن العقول تصل إليه من خلال الكون:
ما معنى سُبُحات وجه الله؟ قالوا: أنوار وجه الله،
(( قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: عن أبي موسى الأشعري: قامَ فِينا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بخَمْسِ كَلِماتٍ، فقالَ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يَنامُ، ولا يَنْبَغِي له أنْ يَنامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ ويَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجابُهُ النُّورُ ، وفي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ: النَّارُ، لو كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحاتُ وجْهِهِ ما انْتَهَى إلَيْهِ بَصَرُهُ مِن خَلْقِهِ. ))
سُبُحات وجهه أنوار وجهه، ((حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَت سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)) قال تعالى:
﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)﴾
دُكَّ الجبلُ، ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لذلك قال تعالى:
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)﴾
لكن العقول تصل إليه من خلال الكون، تعرفه، وفي الدنيا لا يستطيع مخلوق كائناً من كان أن يرى الله إلا في الآخرة، ورد في بعض الآثار أن الإنسان أحياناً ينظر في الجنة إلى وجه الله الكريم فيغيب من نشوة النظرة خمسين عاماً، هذا الإله العظيم ألا يخطب ودّه! ألا ترجى جنته! ألا تخشى ناره! بعض العارفين قال:
فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا الذي رأوه لما وليت عنـــا لغـيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبــــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـــــة لمــــت غريباً واشتيــــــــاقاً لقربنا
ولو لاح من أنوارنــــــا لك لائـح تركت جمــيع الكائنـــات لأجلنــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادّعــــــى سهولته قلنا له قــــد جهلتنــــــــــــا
أيها الإخوة؛ الصلاة تسبيح، التسبيح هو الصلاة، والصلاة هي التسبيح، دقق في هذه الآية:
﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)﴾
ينبغي أن تُسبح الله في المساء، في المغرب والعشاء: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ الفجر.
﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)﴾
العصر، ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ الظهر، الأوقات الخمس في هذه الآية: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ*وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ قال تعالى:
﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)﴾
أمر إلهي، قالوا: سبحه بأسمائه، ونزهه عن الأسماء التي لم يُسمِّ نفسه بها، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ ادعوه بأسمائه الحسنى.
الطريق إلى تسبيح الله هو التفكر في مخلوقاته:
لكن قد يسأل سائل: هل من طريق إلى تسبيحه؟ صدقوا أيها الإخوة؛ ما من طريق أقرب إلى تسبيحه من أن تتفكر في مخلوقاته، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا، تفكروا في مخلوقاته، كلما ازددت تفكيراً ازددت تعظيماً لله عز وجل، لأن التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، ولأن التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
أي من منا يُصدق أن في الدماغ مئة وأربعين مليار خلية لم تعرف وظيفتها بعد حتى الآن، فوق أربعة عشر مليار خلية قشرية، فيها المحاكمة، والذاكرة، الذاكرة مساحتها بحجم العدسة، فيها سبعون مليار صورة، الذاكرة، والمحاكمة، والتفكر، والاستنتاج، والاستنباط، والاستقراء، والحُكم، والانفعالات، والرؤية، والسمع، والبصر، كلها بهذه القشرة الدماغية، في هذه القشرة أربعة عشر مليار خلية، والدماغ مؤلف من مئة وأربعين مليار خلية، فإذا قرأت هذا الموضوع ألا تُعظّم الله عز وجل؟ ألا تقول: سبحان الله.
كلّ أنسجة الجسم تتغذى عن طريق الشعريات إلا قرنية العين، من أجل أن ترى رؤية نقية صافية قرنية العين لها نظام تغذية خاص، تأخذ الخلية الأولى غذاءَها وغذاء جارتها، وتُسَرِّب لها الغذاء عبر الغشاء الخلوي، من أجل أن ترى الأشياء بوضوح تام.
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾
يوجد بشبكية العين مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، مساحة الشبكية ميلمتر وربع، فيها مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)﴾
الإنسان يسافر إلى بلاد باردة، سبعون تحت الصفر، يغطي رأسه، يضع القفازات، يرتدي المعطف، الألبسة الصوفية، لكن ماذا يفعل بعينيه؟ هو يرى بهما الطريق، فعينه على تماس مع حرارة تساوي سبعين تحت الصفر، فمعنى ذلك-والماء والعين فيها ماء-أي إنسان ذهب إلى هذه البلاد ينبغي أن يفقد بصره، ما الذي يحصل؟ أودع الله في العين مادة مضادة للتجمد، صنع من؟ قدرة من؟
بالغدة النخامية يوجد هرمون للكظر، إذا إنسان يمشي في بستان أو يمشي في الطريق، ورأى ثعباناً، هذا الثعبان تنطبع صورته على شبكية العين إحساساً، الشبكية لا تقرأ الصورة، عندما يأتي مريض غير متعلم يعطيه طبيب التحليلِ التحليل لا يفهم منه شيئاً، يأخذه إلى الطبيب ليقرأه له، تنتقل الصورة إلى الدماغ، هناك تُقرأ، هناك يوجد ملفات الثعبان، مفهومات الثعبان، جاءته من دراسته، ومن مشاهداته، ومن قصص سمعها، ملف الثعبان في الدماغ يقرأ الصورة، الدماغ ملك الجهاز العصبي يدرك الخطر، يلتمس من ملكة الجهاز الهرموني الغدة النخامية أن تواجه الخطر، الغدة النخامية وزنها نصف غرام، من أخطر الغدد، هي ملكة الغدد، الملكة تفرز هرمونًا إلى الكظر فوق الكلية، الكظر يعطي خمسة أوامر، أول أمر إلى القلب يرتفع النبض إلى مئة وثمانين، ثاني أمر إلى الرئتين، يزداد الوجيب، ثالث أمر إلى الكبد لإطلاق كمية سكر إضافية، فالخائف سكر دمه زائد، أمر بعده إلى الكبد ليطلق هرمون التجلط، وأمر إلى الأوعية المحيطية كي تضيق لمعتها، فالدم يذهب إلى العضلات لا إلى الجلد، فالخائف يصفرّ لونه.
معقول بثانية تنتقل الصورة من العين إلى الدماغ، تقرأ هنا، الدماغ يدرك الخطر، يلتمس من ملكة الغدد النخامية أن تواجه الخطر، والنخامية تتجه إلى الكظر تعطي أمراً لهذا الكظر أن يواجه الخطر، الكظر يعطي أمراً بتسريع القلب إلى مئة وثمانين نبضة، رفع وجيب الرئتين، إفراز كمية سكر، إطلاق هرمون التجلط، ثم تضييق الأوعية المحيطية، صنع من هذا؟ لذلك يمكن أن تُسبّح الله عن طريق التفكر في خلق السماوات والأرض.
بالأذن يوجد عشرون مليون عصب سمعي، وكل عصب ينتهي بسبعة أهداب، والأهداب مغمسة بمادة تتفاعل مع الرائحة، تُشكل شكلاً هندسياً يُنقل إلى الدماغ يُعرض على الذاكرة الشمية، فتكتشف أن في الطعام هذه المادة عن طريق حاسة الشم، صنع من؟ يد من؟ ﴿ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ خلقه، الله سبحانه وتعالى أتقن كل شيء، قال تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)﴾
أيها الإخوة الكرام؛ هذا الاسم اسم السُّبُّوح يسعدنا جميعاً، إذا سبّحناه، إذا سَبَحْنا في كمالاته، إذا سَبَحْنا في مخلوقاته، إذا تفكرنا في عظمته، لذلك أصل الدين معرفة الله: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق