وضع داكن
12-02-2025
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 35 - ألوان إعجاز القرآن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

وجوه إعجاز القرآن الكريم:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الخامس والثلاثين من دروس العقيدة.
وصلنا في الدرس الماضي إلى أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم، وأن هناك فرقاً كبيراً بين معجزات الأنبياء السابقين التي هي من النوع المادي الذي ينقضي بانقضائه وبين معجزة النبي عليه الصلاة والسلام التي هي باقية إلى نهاية الساعة أو باقية إلى الأبد وهي كلام الله عز وجل الذي أنزله عليه، وقلنا: إن للقرآن الكريم وجوهاً عديدة للإعجاز نكتفي اليوم بوجه واحد من وجوه إعجازه، هذا الوجه هو أنه:

﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾

[ سورة فُصلت ]

فأية حقيقة علمية عرضها القرآن، أيّ دستور أو قانون أو نظام وضّحه القرآن، أيّ مبدأ أو أيّ تشريع أو أيّ حُكم نطق به القرآن، أيّ خبر تاريخي أخبر به القرآن، أيّ خبر أخبر به القرآن مما سيقع في المستقبل، إنّ كل هذا ثابت ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ أي حقيقة، تشريع، حكمة، خبر تاريخي، خبر مستقبلي، علم من علم الغيب، كل شيء جاء به القرآن هو حقّ ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ لذلك مع أن العلوم العصرية تقدمت تقدماً كبيراً، العلوم الوضعية، العلوم المادية، مع أن التقدم الهائل الذي حققته العلوم العصرية لم نجد في كل هذه العلوم شيئاً ينقض ما في القرآن الكريم من حقائق، إذاً: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ .
 

القرآن الكريم لن يأتيه الباطل من أي وجه من الوجوه:


متى ينشأ التناقض؟ ينشأ التناقض بين حقيقة علمية وبين خرافة دينية، أو بين حقيقة دينية وبين نظرية علمية لم تتحقق بعد، قد نجد تناقضاً بين الدين وبين النظريات العلمية التي لم تثبت صحتها، وقد نجد تناقضاً بين خرافة دينية لا أصل لها في الدين وبين حقيقة علمية، أما أن نجد خلافاً أو تناقضاً بين حقيقة علمية وحقيقة جاء بها القرآن فهذا مستحيل، لأنه: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ ، ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ أي في العصر الذي أُنزل فيه القرآن لم يظهر ما ينقضه، ولا في العصور اللاحقة، ولا بعد ألف عام، ولا بعد ألفي عام، ولا بعد قرون، ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ ، قال تعالى مشيراً إلى هذا الوجه من وجوه الإعجاز في سورة فصلت: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ وقال تعالى:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾

[ سورة الحِجر ]

من أنواع الباطل التي حُفِظ القرآن منها التبديل والتحوير والتغيير والتعديل والإضافة والحذف، هذا أيضاً باطل، القرآن الكريم في الأصل حقّ، لو أن تعديلاً أو تغييراً أو إضافة أو حذفاً أصابه إذاً أتاه الباطل من خلفه، من بعد أن أُنزل، فالقرآن الكريم: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ و: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ فالقرآن الكريم لم يأته الباطل بحالٍ من الأحوال، ولا من وجه من الوجوه، وكذلك لن يأتيه الباطل، لم ولن، لم لنفي الماضي، ولن لنفي المستقبل، لتأبيد النفي كما يقول النُّحاة، وكذلك لن يأتيه الباطل من أي وجه من الوجوه مهما توالت الدهور، واتسعت تجارب الحياة، وزادت مكتشفات العلوم.
 

تسابق القرآن بحقائقه العلمية قبل اكتشاف أهل العلم هذه الحقائق:


الآن مع بعض التفصيل، فلا يأتيه الباطل في آية حقيقية علمية عرضت، الآن اكتشفوا أن الشمس تسير، تجري، ربنا عزّ وجل قال:

﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)﴾

[ سورة يس ]

فالقرآن الكريم أثبت ذلك، يوجد كثير حقائق فلكية، حقائق نباتية، حيوانية، متعلقة بالإنسان، في خلق الإنسان، في خلق الأرض، في الجبال، إن كل هذه الحقائق لم يأت مع تطور العصر ومع تطور العلوم ما ينقضها إطلاقاً، ربنا عز وجل قال على العسل: 

﴿ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)﴾

[ سورة النحل ]

قرأت كتاباً ألفه أحد عشر عالماً من العلماء الذين يُنكرون وجود الله عن الشفاء بالعسل، عن ألوان الاستطباب بالعسل، الأمراض المعوية، والأمراض الجلدية، والعصبية، والقلبية، والكبد، شيء تفصيلات ليس هناك مجال لإعادتها، ربنا عز وجل قال: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ قبل أسابيع قلت لكم: اكتشف علماء النحل أن النحل لا يمكن أن ينطلق لجني الرحيق قبل أن يستقر في خلية، ربنا عزّ وجل قال:

﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)﴾

[ سورة النحل ]

بعد أن تتخذي من الجبال بيوتاً كلي من كل الثمرات، يوجد ثم، ثم للترتيب على التراخي، ولا يأتيه الباطل في أي مبدأ أو تشريع أوضحه، وتجارب الحياة تُثبت باستمرار كمال مبادئ الإسلام وتعاليمه.
 

من عجائب إعجاز القرآن الكريم تشريعه الثابت الذي يصلح لسعادة الإنسان ومصالحه:


يوجد صحفي من دولة أجنبية كتب مقالة قال: أينا أشدّ وحشية نحن أم المسلمون؟ لأن الكفار يتهموننا أن قطع يد السارق نوع من أنواع التوحش، فذكر هذا الصحفي أن ستة عشر مليون سرقة تتم في عام واحد، أي أربعون في المئة من هذه السرقات تتحول إلى جريمة قتل، بل إن الإحصاء الدقيق أنه في كل ثلاثين ثانية تُرتكب جريمة سرقة أو قتل أو اغتصاب، هذا الصحفي زار بلداً إسلامياً تُقطع فيه يد السارق، رأى بأم عينيه أشياء تكاد لا يصدقها العقل، أن سيارات مكشوفة شاحنات مكشوفة تحمل ملايين من العُملات تنتقل من محافظة إلى محافظة لدفع رواتب الموظفين من دون حراسة إطلاقاً، لذلك المقال عنوانه: أينا أشدّ وحشية الذين يقطعون يد السارق وفي العام بكامله لا تسجل مجموعة سرقات لا تزيد عن مئة أو لا تزيد عن خمسين ولا تقطع إلا يد أو يدان طوال العام بينما في بلد آخر ستة عشر مليون سرقة بحيث لو قسمت على أيام السنة ودقائقها وثوانيها لوجدنا أن كل ثلاثين ثانية ترتكب جريمة قتل أو سرقة أو اغتصاب؟! فربنا عز وجل هذا التشريع، فقد سأل شاعر الإمام الشافعي قال له:

يد بخمس مئين عسجد وديت          ما بالها قطعت في ربع دينار

[ المعري ]

* * *

شيء عجيب! لو أن يداً قطعت بحادث سيارة ديتها في الإسلام خمسمئة دينار ذهبي:

يد بخمس مئين عسجد وديت          ما بالها قطعت في ربع دينار

[ المعري ]

* * *

فأجابه الإمام الشافعي رضي الله عنه قال:

عّز الأمانة أغلاها وأرخصها            ذلّ الخيانة فافهم حكمة الباري

[ الشافعي ]

* * *

لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت، هذا تشريع إلهي، لو سألتني أن ألخص لك الفساد البشري بكلمات، أقول لك: الفساد البشري يلخص بعدوانين، عدوان على المال، وعدوان على العِرض، هذا هو، هذا كل الفساد البشري، العدوان على المال جزاؤه قطع يد السارق، قال تعالى:

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)﴾

[ سورة المائدة ]

و:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)﴾

[ سورة النور ]

أي الفساد البشري كلّه نوعان؛ إما عدوان على الأموال أو عدوان على الأعراض، والإسلام وضع حدّاً قاسياً للعدوان على الأموال والعدوان على الأعراض، لذلك تشريعاته ثابتة،  دولة مثلاً لا تؤمن بوجود الله إطلاقاً تُصدر قبل سنة تقريباً تشريعاً بمعاقبة من يشرب الخمر، لماذا؟ لأنه قال في الإحصاء خُمس الشعب مدمن خمر، هذه فودكا، خمسه، فهذا الخُمس صار قسماً أشلاً في المجتمع، مُستهلك غير منتج، لذلك حُرّمت قبل عام الخمرة في بلاد شاسعة تمتد بين قارتين أبداً تحت طائلة أقصى العقوبات، في الإسلام الخمر محّرم، من الأساس محرم، وتحريم الإسلام للخمر من نوع راقٍ جداً، أي المسلم لا يشرب الخمر لا في أثناء الدوام ولا خارج أوقات الدوام، لا في المحافل الخاصة ولا في المحافل العامة، الخمر حرام وانتهى الأمر، أما يجوز لو مُنع الخمر بقرار أو بقانون يُشرب ليلاً، يُشرب سراً، يُشرب تهريباً طبعاً، فربنا عزّ وجل:

﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾

[ سورة فصلت ]

في أي مبدأ أو تشريع أوضحه، وتجارب الحياة تُثبت باستمرار كمال مبادئ الإسلام وتعاليمه، وقوانينه وأنظمته، وسلامتها وصلاحيتها لسعادة الناس جميعاً، قال تعالى:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)﴾

[ سورة الإسراء ]

 

القرآن لا يأتيه الباطل في أي خبر أخبر به عما سيحدث في مستقبل أيام الدهر:


الإسلام عندما يُحرم شيئاً، هل هناك شيء حرمه الإسلام والعقل يقول لك يجب أن يكون حلالاً؟ وهل شيء أباحه الإسلام والعقل يقول لك يجب أن يكون مُحرماً؟ أحد الذين آمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام حينما علل إيمانه هكذا قال، ما رأيت شيئاً نهاني النبي عنه والعقل يقول لي: افعله، ولا شيئاً أمرني النبي بفعله والعقل يقول لي لا تفعله، هناك توافق، ولا يأتيه الباطل في أي خبر تاريخي أخبر به من أنباء الغيب، الذي ضاعت صورتها الحقيقية في أخلاق التاريخ القديم للأمم وبخاصة ما اختلف فيه بنو إسرائيل، قال تعالى:

﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)﴾

[ سورة هود ]

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)﴾

[ سورة النمل ]

ولا يأتيه الباطل في أي خبر أخبر به عما سيحدث في مستقبل أيام الدهر، مثلاً قال تعالى:

﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)﴾

[ سورة الفتح ]

وقد تحقق ما أخبر الله به في هذه الآية، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام بعد ذلك وأصحابه المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين غير خائفين، آية وردت ثم تحققت، وقوله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[  سورة النور ]

وقد وفّى الله للمؤمنين هذا الوعد، فحَكَم المسلمون مشارق الأرض ومغاربها، ورفرفت رايتهم في أطراف الأرض، ووصلوا إلى مشارف باريس، وإلى أطراف جنيف من الغرب ومن الشرق، وإلى أطراف الصين، واحتلوا القسطنطينية التي كانت معقلاً للروم، طبعاً الوعد تنفذ، وقوله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)﴾

[ سورة الصف ]

وقد تحقق ظهور الإسلام على سائر الأديان بالحُكم والسلطان حينما طبق المسلمون إسلامهم، وبالحجة والبرهان في كل عصر، بالحكم والسلطان حينما طبق المسلمون إسلامهم، وبالحجة والبرهان في كل عصر، وقوله تعالى:

﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)﴾

[ سورة الصف ]

وقد تحقق ذلك فتمّ نصر الله للمؤمنين من أصحاب رسول الله، وكتب لهم الفتح القريب وهو فتح مكة، وقوله تعالى:

﴿ الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)﴾

[ سورة الروم ]

وقد تحقق ذلك فانتصر الروم على فارس بعد ذلك في بضع سنين كما أخبر الله عزّ وجل في القرآن الكريم، وقوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)﴾

[ سورة المائدة ]

وقد حقق الله له وعده فعصمه من محاولات القتل التي دُبِّرت له ليلة الهجرة إذ أجمع مشركو مكة على قتله، وعَصَمه من اغتيال اليهود له، إذ دبروا له وهو في حيّهم إلقاء صخرة عليه، وعصمه مرة أخرى في خيبر، كل هذه الآيات التي تتحدث عن المستقبل تحققت، إذاً: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ لا من حيث الآيات العلمية، ولا من حيث التشريعات، ولا من حيث الأخبار الماضية، ولا من حيث الأخبار المستقبلية، هذا كله وقع، أي الآن الفرعون المحنّط الذي أُخذ إلى فرنسا لترميمه، هذا الفرعون هو الذي يُثبت العلماء أن طريقة موته كانت غرقاً، أي فرعون موسى، قال تعالى:

﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)﴾

[ سورة يونس ]

﴿لِمَنْ خَلْفَكَ﴾ يوجد فرعون مُحنَّط بمصر وأُخِذ إلى فرنسا للترميم وأعادوه، والعلماء يؤكدون أن هذا هو فرعون موسى، والدليل سبب الوفاة كانت غرقاً، إذاً كل شيء أخبر عنه في التاريخ صحيح.
 

من دلائل إعجاز القرآن حفظه من أي ضياع أو تحريف أو تبديل قد يطرأ عليه:


الشيء الخامس أنه ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ﴾ بأن تتعرض نصوصه للضياع أو التحريف أو التبديل بالزيادة فيها أو النقص منها، وقد تمّ فضل الله وصدق وعده فعمّ القرآن وانتشر بأحكم طريقة علمية يُمكن أن تتوصل إليها الإمكانات الإنسانية، وحفظه الله كما أنزله طوال هذه القرون دون أن يستطيع أعداؤه ومبيتو المكائد له أن ينقُصوا منه شيئاً أو أن يزيدوا فيه حرفاً، يروى أن الإنكليز مرة طبعوا خمسين ألف نسخة مصحف في أيام العثمانيين ووزعوها فقط حذفوا كلمة واحدة:

﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)﴾

[ سورة آل عمران ]

حذفوا غير، ﴿الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ فوراً جُمِعت وأُحرقت، الله عزّ وجل سخر أناساً غيورين، مُحققين، مدققين، يضبطون النصوص، الآن لا تستطيع أن تضيف فتحة، لا تستطيع أن تلغي فتحة وليس حرفاً، تجد كل مصحف الحمد لله قام بتصحيحه وضبطه وفق رواية حفص عن عاصم فلان الفلاني، شيخ المقارئ فلان الفلاني، الختم، والله شيء جميل، لا يوجد مصحف تقرؤه إلا صفحة صفحتين كلها أختام وتحقيقات وتوقيعات، الله عز وجل سخّر لهذا الكتاب الكريم علماء فطاحل، يضبطون النصوص، يعرفون القراءات، يعرفون أماكن الوقوف، يعرفون أماكن السجدات، يعرفون الأحكام، ضبطوه ضبطاً دقيقاً، فربنا عزّ وجل تولّى حِفظه وسخّر له هؤلاء المتشددون. 
أحياناً شخص منكم يقول: كلمة الرحمن يلزمها ألف، صح تحتاج إلى ألف، الرحمان، لكن لم يجرؤ أحد على تبديل كتابة المصحف، حتى لا يكون هذا التبديل مسوغاً إلى تغيير آخر، لذلك هنالك إملاء قرآني، يوجد رسم قرآني خاص، السموات لا يلزمها ألف في القرآن الكريم، إله لا يلزمها ألف، الرحمن لا يلزمها ألف، هناك تاء مبسوطة، وتاء مربوطة، طبعاً هناك حكمة بالغة من كون هذه التاء هنا، هناك كلمة رحمة جاءت في أماكن مبسوطة، في أماكن مربوطة، وللمفسرين توجيهات رائعة جداً فيها، وهناك حروف مدغمة، وحروف مفكوكة، وهناك واو عوض ألف، هذه كلها طبعاً هذا علم قائم بذاته، لذلك لا يجرؤ إنسان لا يضيف حرفاً ولا حركة ولا سكوناً ولا فاصلة ولا نقطة أبداً، هذا النص وردنا بالتواتر، الجمع عن الجمع، قطعي الثبوت قطعي الدلالة، هذا حفظ الله عزّ وجل له، أي سخر أناساً حريصين.
الآن هذا هو القرآن: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ .

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)﴾

[ سورة النساء ]

أنت اقرأ كتاباً ترى فيه تناقضاً أحياناً، الإنسان ليس عنده إمكانية لينجو من الخطأ، أي كتاب مهما كان مُؤلفه على مستوى رفيع يقع أحياناً بتناقض، يتكلم بفكرة ثم ينفيها من دون أن يشعر في الفصل الرابع، أحياناً يبالغ في فكرة ثم يظهر حجمها أقل من ذلك، أحياناً يكون هناك اضطراب، ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ .

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)﴾

[ سورة الإسراء ]

﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)﴾

[ سورة الأنعام ]

شيء دقيق جداً، هناك فقر واقع، هناك فقر متوقع، في الفقر الواقع نرزقكم أيها الفقراء وإياهم، بالفقر المتوقع نرزقهم وإياكم، هناك دقة بالغة، هذا شيء يستحيل على إنسان أن يضبطه.
وسوف نأخذ وجهاً آخر من وجوه إعجازه في درس قادم إن شاء الله تعالى.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور