الحمد لله رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خير نبيٍ اجتباه وللعالمين أرسله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغُر الميامين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنّا وعنهم يا رب العالمين.
الاعتصام بالله عزَّ وجل أساس كل نصرٍ و عز:
أيُّها الإخوة الكرام: يا أهل غزَّة، يا أهل العزة، يا أهل الكرامة، يا أهل الصبر، يا أهل الثبات، اعتصموا بالله لأنه ورد في الأثر القدسي:
(( أوحى الله إلى داوود: وعزتي ما من عبدٍ يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده السموات بمن فيها والأرض بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجًا، وما عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه وأرسخت الهوى من تحت قدميه وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني ومستجيب له قبل أن يدعوني وغافر له قبل أن يستغفرني ))
[ تمام وابن عساكر والديلمى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه ]
وهذا الذي حصل إن شاء الله، يا أهل غزَّة يا أهل العزة، اعتصموا بالله فإنه غنى كل فقير، وعزُّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فحاشا لمن اعتصم به أن يفتقر في غناه، وأن يضل في هُداه، وأن يذل في عزه، وأن يُضام في سلطانه.
تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب:
أيُّها الإخوة الكرام: أيُّها الإخوة المُجاهدون، يكبر الإنسان ولا نرى كبره، فيتضاءل أمامه كل كبير، ويصغر ولا نرى صغره فيتعاظم عليه كل حقير.
(( أَيُّها الناسُ إنَّ هذه الدنيا دارُ التِوَاءٍ لا دَارُ اسْتِوَاءٍ ومَنْزِلُ تَرَحٍ لا مَنْزِلُ فَرَحٍ فَمَنْ عَرَفَهَا لمْ يَفْرَحْ لِرَجَاءٍ ولَمْ يَحْزَنْ لِشَقَاءٍ ألا وإِنَّ اللهَ تَعَالَى خلق الدنيا دارَ بَلْوَى والآخِرَةَ دَارَ عُقْبَى فَجَعَلَ بَلْوَى الدنيا لِثَوَابِ الآخِرَةِ سَبَبًا وثَوَابَ الآخِرَةِ من بَلْوَى الدنيا عِوَضًا فَيَأْخُذُ لِيُعْطِيَ ويَبْتَلِي لِيَجْزِيَ وإِنَّهَا لَسَرِيعَةُ الذَّهَابِ وشِيكَةُ الانْقِلابِ فَاحْذَرُوا حَلاوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا واهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا لِكَرِيهِ آجِلِهَا ولا تَسْعُوا في عُمْرَانِ دَارٍ وقَدْ قَضَى اللهُ خَرَابَهَا ولا تُوَاصِلُوهَا وقَدْ أَرَادَ اللهُ مِنْكُمُ اجْتِنَابَهَا فَتَكُونُوا لِسَخَطِهِ مُتَعَرِّضِينَ ولِعُقُوبَتِهِ مُسْتَحِقِّينَ ))
[ أخرجه الديلمي في الفردوس ]
(( قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ، فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه، فإن كانَ في دينهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ على حسْبِ دينِه، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي على الأرضِ ما عليْهِ خطيئةٌ ))
لا خيـر فـي دولٍ تنـام قـريـــرةً وعيون غزة في الأسى لـم ترقُـدِ
يا غـزة الأبطـال صـبرك إنـنـي لأرى انبلاج الفجر أقرب موعدي
وأرى صمودك لوحةً معروضةً فـي الأفـق ترسـم قـدوةً للمقتـدي
يا أهل غزَّة، يا أهل الإيمان والطاعة، لقد نفَّذّتم وصية سيدنا عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، حينما أوصى سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قائلاً له: << أمّا بعد فإني آمُرك ومَن معك من الأجناد بتقوى الله عزَّ وجل، فإنَّ تقوى الله أفضل العُدَّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمُرك ومن معك أن تكونوا أشدَّ احتراساً من المعاصي، فإنها أضر عليكم من عدوكم، وإنما تنصرون بمعصية عدوكم لله، فإن استويتم في المعصية كان لهم الفضل عليكم بالقوة>> .
وهذا الذي حصل، رابع جيشٍ في العالم، لا تصمد أمامه سبع دول، فئةٌ مؤمنةٌ بالله عزَّ وجل، لا نُزكّي على الله أحداً ولكن نحسبها صالحة، استطاعت أن تقف في وجه أعتى جيشٍ في المنطقة، وقد وصِفَ هذا الجيش من قِبل رجُلٍ بعيدٍ جداً عن الشرق الأوسط، في البرازيل قال: هذا جيشٌ جبان لأنه يقتل الأطفال والنساء.
أيُّها الإخوة: إنَّ المعركة بين حقَّين لا تكون، لأنَّ الحق لا يتعدَّد، والمعركة بين حقٍ وباطلٍ لا تطول إن شاء الله لأنَّ الله مع الحقّ، أمّا المعركة بين باطلين لا تنتهي.
يــا أهــل غــــــزَّة عـــلِّــمــــونـــا بعـض ما عندكم فإنّا نسـينا
نحن أهل الحساب والجمع والطرح فخوضوا حربكم واتركونـا
قــد لــزمــنـا بـيــوتـنـــا وطـلـبنـــا مـنكم أن تقــاتلــوا التنينــــا
قـد صـغُـرنـا أمـامــكـم ألـف قـرنٍ وكـبرتُم خلال حربكم قرونـا
إن هـذا الـعـصر الـيهــودي وهـــمٌ سوف ينهار لو ملكنا اليقينــا
أصل الدين معرفته وحسن الظن بالله ثمن الجنة:
أيُّها الإخوة الأحباب: أيُّها الإخوة المُجاهدون، أيُّها الإخوة الصامدون، أيُّها الإخوة الثابتون، حينما يعثُر الفهم، ويعز التفسير، فلا بُدَّ من التسليم للعليّ القدير، فأصل الدين معرفته، وحُسن الظن بالله ثمن الجنَّة، قال كبار العلماء: من ظنَّ انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره، فربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، وقد يكون العطاء من الخلق حرماناً، ويكون المنع من الله إحساناً، ومتى فَتحَ لك باب الفهم في المنع، عاد المنع عين العطاء، وإنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه، ومتى أوحشك من خلقه تخلّوا جميعاً عنك شرقاً وغرباً، عربٌ ومسلمون، فإذا أوحشك من خلقه أي تخلّوا عنك، فليفتح لك باب الأُنس به، وربما وجدت في الفاقات ما لا تجده في الصوم والصلاة، وحينما تُسلَبُ أرضُ شعبٍ، وتُنهَب ثرواته، وتُنتهك حُرماته، وتُدنَّس مقدَّساته، وتُداس كرامته، وتُقهَر إرادته، وتُفسَد عقائده، وتُفرَّغ قيَمه، ويُزوَّر تاريخه، ويُحمَل على الفساد والإفساد، وتُمارس عليه كل ألوان التجهيل، والتجويع، والتعذيب، والتقتيل على يد أعدائه، أعداء الله، أعداء الحق، أعداء الخير، أعداء الطفولة، أعداء المرأة، أعداء الحياة، عندئذٍ لابُدَّ لهذا الشعب من أن يتحرك ليستردَّ حقَّه في الحياة الحرة الكريمة، وهذا الذي كان في غزَّة.
على الشعوب أن تتحرك لمواجهة من ماتت في ضمائرهم كل القيَم الإنسانية:
إننا نواجه أعداءً ماتت في ضمائرهم كل القيَم الإنسانية، والأعراف الدولية، وداسوا على حقوق الإنسان بحوافرهم، إنهم يصفون المالك للأرض، الطريد المُشرَّد، إرهابياً لا حقّ له، والمُتمسِّك بدينه القويم أُصولياً، ويجعلون اللص الغالب على المُقدَّسات رَبَّ بيتٍ مُحترماً، يملكون الأرض لا بالإحياء الشرعي ولكن بالإماتة الجماعية، والقهر النفسي، ينطلقون في تصوراتهم من تصريحٍ قاله أكابر مُجرميهم الذي لا يزال حيّاً ميّتاً منذ أربعة أعوام، وأمدَّ الله في عمره قال: إنَّ الذي قتل نصف مليون ياباني في هيروشيما ونكازاكي، قتلهم بقنبلتين جميلتين، جميلتين عنده، ربما سيكرهني العالم وسيخشاني، بدلاً من أن أشتكي إليه، ربما يخاف من ضرباتي الجنونية بدلاً من أن يُعجَب بروحي الجميلة، وليرتجف منّي، وليعامل بلدي كبلد مجانين، وليقل إننا متوحشون، هُم حقيقةً متوحشون، وإننا نُمثّل خطر الموت لجميع الجيران، وإننا جميعاً غير أسوياء، ونستطيع أن نغرِس أزمةً فظيعةً إذا قُتل طفلٌ واحدٌ منّا.
الإنسان المُنحط يتحول عن عبادته لربّه إلى عبادته لشهواته:
وحينما ينحطّ الإنسان يتحول عن عبادته لربّه إلى عبادته لشهواته، وتعتمد علاقته بالآخرين على القوة لا على الرحمة، وعلى العنف لا على التفاهم، وينصرف الإنسان عن العناية بالنفس إلى العناية بالجسد، وعن الاهتمام بالمبدأ إلى الاهتمام بالمصلحة، ويتحوَّل المجتمع كله إلى غابةٍ، يُحِس كل واحدٍ فيها أنَّ من حقّه افتراس الآخرين، كما أنه من الممكن أن يكون فريسةً وضحيةً لأي واحدٍ منهم، هذا هو مجتمع الغاب، هذا هو النظام العالمي الجديد، هذا نظام العولمة أي نظام الحيونة.
فيا أصحاب الزنود السمر، والعضلات المفتولة، ويا أصحاب الرُتَب والأوسمة، أليس عاراً وشناراً، وفضيحةً وذبحاً للرجولة، أنَّ النساء والأطفال يُقتلون، تحت سمع العالم وبصره ولا أحد يتحرك.
قتل امرئٍ في بلدةٍ جريمةٌ لا تغتفر وقتل شعبٍ مسلـمٍ مسألةٌ فيها نظر
هذا منطق الغرب، لكن نار الحرب التي استعرت في هذه الأيام، أضاءت ظلام القلوب، ومَسَح الدم الفلسطيني المسفوك الغشاوة عن الأبصار، فلم يبقَ إلا الأسود والأبيض، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعروفًا، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه ))
لا حربٌ ولا اجتياحٌ، ولا رابع جيشٍ في العالم، هؤلاء المجرمون الطُغاة وأعوانهم وعملاؤهم، لقد اختفى اللون الرمادي في الأرض، ليهلَك من هلَك عن بيِّنة ويحيا من حيَّ عن بيِّنة.
كل من سكت عن الجرائم مُحاسَب عند الله عزَّ وجل:
أيُّها الإخوة: الذي عقر ناقة صالح رجُلٌ واحدٌ فلماذا قال الله تعالى: (فَعَقَرُوهَا) بصيغة الجمع:
﴿ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)﴾
(فَعَقَرُوهَا) بصيغة الجمع، لأنَّ الجمع سكتَ عن هذه الجريمة، من هُنا ورَدَ عن سيدنا عُمر، <<أنه لو ائتمَرَ أهل بلدةٍ على قتل واحدٍ، والذي قتله واحد، أقتلهم به جميعاً >> ، فكل من سكتَ عن هذه الجرائم شرقاً وغرباً، فهو محاسبٌ عند الله، اشتركوا في الجريمة، وهذا شأن العالم الغربي، والعالم العربي اليوم.
أخي في الله قل شـيئاً فأنت بحبل هذا الصمت تقتلني
فإن أعرضت في جُبنٍ وفي خَـورٍ فهـذا لـيس يقـتلني
فلـي ربٌّ سينصرنـــــي و يرزقنـــــي
المقاييس التي يُقاس بها الرجال في الثقافة الغربية مقاييس زائفة لا فائدة منها:
أيُّها الإخوة الكرام: حينما يُمنَح رئيس الكيان الصهيوني جائزة نوبل، ينبغي أن يشعر المرء بوصمة العار، من هذه المقاييس التي يقاس بها الرجال في الثقافة الغربية، قال عليه الصلاة والسلام:
(( كلُّ نَفْسٍ تُحْشَرُ على هَوَاها، فمَن هَوِىَ الكفرةَ فهو مع الكفرةِ، ولا يَنْفَعُهُ من عملِه شيئًا ))
هذه الجائزة جائزة السلام، ما دامت قد مُنِحت لأكبر مُجرمٍ في الكيان الصهيوني، صاحب مذبحة قانا، ورئيس الكيان الصهيوني اليوم، هذه الدرجة وهذه الجائزة ينبغي أن تكون تحت الأقدام.
باقة من النصوص لكل مناضل و مجاهد:
أيُّها الإخوة: والآن أُخاطب المقاومين الشُجعان، مُهنِّئاً لهم بالنصر المبدئي، في اليوم الرابع عشر لم يستطع رابع جيشٍ في العالم، أن يُحقِّق هدفاً واحداً من أهدافه، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
أُقدِّم لإخوتي المُناضلين، المُقاومين، المُجاهدين، الصابرين، المُرابطين، الثابتين، هذه الباقة من النصوص:
(( أنَّ عوفَ بنَ الحارثَ وهو ابنُ عفراءَ قال: يا رسولَ اللهِ، ما يُضحِكُ الربَّ من عبدِهِ؟ قال: غَمْسُهُ يدَهُ في العدوِّ حاسرًا، فنزعَ درعًا كان عليه فقَذَفَهَا، ثم أخذَ سيفَهُ فقاتلَ حتى قُتِلَ ))
[ الألباني السلسلة الضعيفة ]
(( عن أبي إسحاق السُبيعي، سمعت رجلاً سأل البراء بن عازب: أرأيت لو أن رجُلاً حمل على الكتيبة، وهم ألف، ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال البراء: لا، ولكن التهلكة أن يصيب الرجل الذنب فيلقي بيده، ويقول: لا توبة لي، قال: ولم ينكر أبو أيوب الأنصاري، ولا أبو موسى الأشعري أن يحمل الرجل وحده على العسكر الجرار، ويثبت حتى يُقتَل))
[ روى ابن حزم في المحلى عن أبي إسحاق السبيعي ]
وقصة أبي أيوب في القسطنطينية معروفة مشهورة، وفيها:
(( أن رجلاً من المسلمين حمل على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس، وقالوا: سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة؟ فقام أبو أيوب فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل إنما نزلت فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سراً، دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الآية: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 195) فكانت التَّهلُكةُ الإقامةَ في أموالِنا وإصلاحَها وتَرْكَنا الغَزْوَ قال: وما زال أبو أيُّوبَ شاخصًا في سبيلِ اللهِ حتَّى دُفِن بأرضِ الرُّومِ ))
[ رواه أبو داوود في سنن الترمذي ]
وفي بعض المصادر:
(( بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، شارك البراء بن مالك في حروب الردة، وكان أحد مفاتيح نصر المسلمين يوم اليمامة حين رأى تأزم المعركة بعد أن تحصّن مسيلمة بن حبيب ومن معه في الحديقة، فأمر أصحابه أن يحملوه على ترس على أسنة رماحهم، ويلقوه في الحديقة، فاقتحمها، وشدّ على المدافعين عن الحديقة حتى تمكن من فتح الباب الحديقة، فدخلها المسلمون وانتصروا في المعركة، وجُرح البراء يومئذ بضعة وثمانين جرحًا، أقام خالد بن الوليد عليه شهرًا يداوي جراحه ))
[ سير أعلام النبلاء الصحابة رضوان الله عليهم البراء بن مالك ]
وقد جاء في صحيح مسلم، من الحديث الطويل المعروف لصُهيب، قول الغلام للمَلِك الذي عجز عن قتله:
(( فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ ))
مات الغلام فهل ألقى بنفسه في التهلُكة؟! هذا الغُلام قد أرشد المَلِك إلى الطريقة التي يتحقَّق بها قتله، ثم نفَّذها المَلِك، وتحقَّق بها ما رمى إليه الغُلام من المصلحة العظيمة العامة، من إيمان الناس كلهم بالله بعدما بلغهم خبره، وما أجرى الله له من الكرامة.
من اشترى الآخرة بالدنيا ربحهما معاً:
لذلك هذا الموظف الكبير بالبنتاغون الذي قال: ماذا نفعل بحاملات الطائرات؟ وماذا نفعل بالصواريخ العابرة للقارات؟ ولا تجرؤ دولةٌ على وجه الأرض أن تُحاربنا؟ لكن ماذا نفعل بهذا الإنسان الذي أراد أن يموت ليهز كياننا؟ لا شيء.
ومن حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( أنَّ رجلًا سأل أيُّ الشهداءِ أفضلُ قال: الذين إن يُلْقُوا في الصفِّ لا يَلفِتون وجوهَهم حتى يُقتَلوا، أولئك يَنطلِقون في الغُرَفِ العُلا من الجنَّةِ، ويضحكُ إليهم ربُّهم، وإذا ضحِك ربُّك إلى عبدٍ في الدنيا فلا حسابَ عليه ))
كما روى ابن أبي شيبة قال: << كنت عند عُمر رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، ورجُلٌ شرى نفسه ـ أي باع نفسه ـ فقال مدرك بن عوف: ذاك والله خالي يا أمير المؤمنين، زعم الناس أنه ألقى بيده إلى التهلُكة، فقال عُمر: كذب أولئك، ولكنه ممن اشترى الآخرة بالدنيا>> .
وقال محمد بن الحسن الشيباني: << أمّا من حمل على العدو فهو يسعى في إعزاز الدين، ويتعرَّض للشهادة التي يستفيد بها الحياة الأبدية، فكيف يكون مُلقياً نفسه إلى التهلُكة؟ ثم قال: لا بأس بأن يحمل الرجُل وحده، إن ظنَّ أنه يُقتَل، إذا كان يرى أنه يصنع شيئاً، فيُقتَل أو يُجرَح أو يُهزَم، فقد فعل ذلك جماعةٌ من الصحابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد، ومَدحَهم على ذلك>>.
وقيل لأبي هُريرة: ألم ترَ أنَّ سعد بن هشام لمّا التقى الصفَّان حمل فقاتل حتى قُتِل، وألقى بيده إلى التهلُكة، فقال: كلا ولكنه تأوَّل آيةً في كتاب الله:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)﴾
وقد ذَكرَ الحافظ بن حجر في مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو: " أنَّ الجمهور صرَّحوا بأنه إذا كان لفرط شجاعته، وظنِّه أنه يُرهِب العدو بذلك، أو يـُجرِّئ المسلمين على أعدائهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة، فهو حسن، ومتى كان هذا الاندفاع تـهوّراً فهو ممنوع، لاسـيما إذا ترتب على ذلك إضعاف المسلمين" .
الصبر و التقوى طريقا الإنسان للخلاص من مكر الأعداء:
هذه الأُمة التي يمكُر بها أعداؤها مكراً تزول منه الجبال، يُخطِّطون لإفقارها، ولإضلالها، ولإفسادها، ولإذلالها، ولإبادتها، قال تعالى:
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾
لكن الله جلَّ جلاله رسم لنا معشر المؤمنين، طريق الخلاص من مكرهم، الذي تزول منه الجبال، قال تعالى:
﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)﴾
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، آية فيها إشارة وبشارة لأهل الإيمان:
أمّا الآية الثانية التي فيها شفاءٌ للصدور هي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾
في هذه الآية خيرٌ عظيم، إذ فيها إشارةٌ وبشارةٌ لأهل الإيمان، بأنَّ للكرب نهاية مهما طال أمده، وأنَّ الظُلمة تحمل في أحشائها الفجر المُنتظَر، وأنَّ النصر مع الصبر، وإنَّ الفرَج مع الكرب، وإنَّ في رحم كل ضائقةٍ أجنَّة انفراجها، ومفتاح حلّها، وإنَّ جميع ما نعانيه من أزماتٍ، لهذه الأزمات حلولٌ مناسبةٌ إذا ما توفر لها عقل مهندسٍ، ومِبضَع جرَّاحٍ، وحرقة والدةٍ، وعلى الله قصد السبيل.
وقد بثَّت هذه الآية في النفوس الأمل، الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، رأوا في تكرارها توكيداً لوعد الله:
﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾
تكريراً لوعد الله بتحسُّن الأحوال، فقال ابن مسعود: " لو كان العُسر في جُحرٍ لطلبه اليُسر حتى يدخل عليه" .
وذَكرَ بعض أهل اللغة أنَّ (الْعُسْرِ) معرّفٌ بأل، و(يُسْرًا) مُنكَّر، وأنَّ العرب إذا أعادت ذكر المعرفة كانت عين الأولى، أمّا إذا أعادت النكِرة فكانت الثانية غير الأولى، وخرجوا على ذلك بقول ابن عباسٍ:
(( لن يغلبَ عسرٌ يسرينِ إنَّ مع العسرِ يسرًا إنَّ مع العسرِ يسرًا ))
وفي هذه الآية أيضاً إشارةٌ بديعة إلى وجود الفرَج في الشدّة، مع أنَّ الفرَج لا يُزامِن الشدّة وإنما يعقِبُها، لكن الله عزَّ وجل أراد تطمين ذوي العُسرة، بقُرب انجلاء الكرب إن شاء الله تعالى.
مشكلة المسلمين الأولى ثقافة الهزيمة:
ونحن اليوم أيُّها الإخوة، أحوَج ما نكون إلى الاستبشار بهذه الآية، حيث يرى المسلمون الكثير من صنوف الإحباطات والهزائم، وألوان القهر والنكد، مما أدَّى إلى سيادة روح التشاؤم واليأس، وصار الكثيرون يشعرون بانقطاع الحيلة والاستسلام للظروف والمُتغيرات، وأفرز هذا الوضع مقولاتٍ يمكن أن نُسمّيها بثقافة الطريق المسدود، هذه الثقافة باطلة (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) .
هذه الثقافة تتمثل بالشكوى الدائمة من كل شيء، من خِذلان الأصدقاء، من تآمُر الأعداء، من تركة الآباء والأجداد، من تصرفات الأبناء والأحفاد، هؤلاء الانهزاميون أصحاب ثقافة الطريق المسدود، يوجِّهون النقد دائماً نحو الخارج، فهُم في ذات أنفسهم يتوهمون أنهم على ما يرام، وغيرهم هو الذي يفعل كل ما يحدث لهم، إذا رأوا من يتجه إلى الإصلاح أطفأوا حماسته بالقول: لن يدعوك تعلم، لن يدعوك تُربّي، لن يدعوك تتفوَّق، كل ذلك يُفضي إلى العطالة والبطالة، هذه مشكلة المسلمين الأولى، ثقافة الطريق المسدود، ثقافة الهزيمة.
من تطلع إلى الجنَّة و رغب بها سمح الله له أن يدفع ثمنها:
أيُّها الإخوة الكرام: الخِطاب مرةً ثانية موجَّهٌ لأهل غزَّة، لأهل العِزَّة والكرامة:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
يا أهل غزَّة، لمَّا تطلعتم إلى الجنَّة، وسعيتم لها سعيها، سمح الله لكم أن تدفعوا ثمنها، قال تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾
وإذا اختار الله إلى جواره مؤمناً شهيداً فقد نال إحدى الحُسنيين، قال تعالى:
﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)﴾
من نال شرف الشهادة فقد فاز فوزاً عظيماً:
يا أهل غزَّة يا أهل العِزَّة، الذين نالوا شرف الشهادة، نقول لذويهم هذه القصة:
حينما أصرَّ العالِم الجليل العِز بن عبد السلام في فتواه، على بيع الأمراء المماليك في مصر بسوق النخاسة، شيءٌ لا يُصدَّق، أجمعوا على قتله، فتوجَّهوا نحو بيته ومعهم سيوفٌ مُشرَّعة، وطرقوا بابه، فخرَج ابنه واسمه عبد اللطيف، رأى موقفاً مُخيفاً، فرجع إلى والده وقال: يا والدي انجُ بنفسك الموت الموت، قال ما الخبر؟ قال: كيت وكيت، الآن دققوا: فقال العِزُ بن عبد السلام لولده: يا ولدي والله إنَّ أباك لأحقر وأقل من أن يُقتَل في سبيل الله، يعني أنا أتمنى ذلك لكنني أقل من أن أُقتَل في سبيل الله.
هذا الذي مات شهيداً لا تقُل مات:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)﴾
هل رأيتم امرأةً سافرة في كل هذه المعامع؟ هل رأيتم رجُلاً نطق كُفراً؟ الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، حسبُنا الله ونعم الوكيل، شيءٌ مدهش، شيءٌ مدهش، سبعة أطفال فقدَهم ويقول: الحمد لله.
من طلب الشهادة صادقاً أعطيها وإن لم تصبه :
أيُّها الإخوة: قال: يا بُني والله إنَّ أباك لأحقر وأقل من أن يُقتَل في سبيل الله، فخرَج مُسرعاً إلى الأُمراء، فلمّا رأوه يبست أطرافهم، وتجمَّد الدم في عروقهم، وأصابتهم حالةٌ من الذُعر والرُعب، وأصبح بعضهم مضطرباً، وسقطت السيوف من أيديهم، واصفرَّت وجوههم، وللقصة تتمةٌ رائعة جداً تابعوها.
من هاب الله هابه كل شيء، وأمّا الذين تمنَّت نفوسهم، دققوا: والله ألوفٌ مؤلفة من المؤمنين الصادقين تمنَّوا أن يكونوا في غزَّة ويموتوا، وأمّا الذين تمنَّت نفوسهم أن ينالوا شرف الشهادة صادقين، فليستمعوا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام مسلم:
(( من طلب الشهادةَ صادقًا أُعْطِيها وإن لم تُصِبْهُ ))
أمّا الذين لم ينالوا شرف أن يكونوا فرسان النهار مع أهل غزَّة، فلا أقل من أن يكونوا من رُهبان الليل، يدعون ربهم أن ينصر إخوتهم في غزَّة، وأنا أُطالبكم وأُطالب نفسي أن تُصلّي ركعتين في جوف الليل، وأن تقول بقلبٍ مُتلَّهفٍ يا رب انصُر إخوتنا في غزَّة، اجعل تدمير أعدائهم في تدبيرهم، اجعل الدائرة تدور عليهم.
قال عليه الصلاة والسلام في حديثٍ طويل عن أنواع الأدعية:
(( خَمسُ دَعَواتٍ يُستجابُ لَهنَّ: دَعوةُ المَظلومِ حتَّى يَبرَأَ، ودَعوةُ الأخِ لِأخيهِ بِظَهرِ الغَيبِ، ثُمَّ قال: وأَسرَعُ هَذه الدَّعواتِ إجابةً: دَعوةُ الأخِ بِظَهرِ الغَيبِ ))
أمّا الذين لم ينالوا شرف أن يكونوا فرسان النهار مع أهل غزَّة، فليقرؤوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا ))
ما تمكنت أن تكون في غزَّة وقد يكون هذا مستحيلاً، لا أقل من أن تُجهِّز غازياً، هناك قنوات نظيفة تصل إلى هناك (وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا) .
طالبٌ في الجامعة فلسطيني أهله في غزَّة، ما عاد معهم ما ينفقون عليه، كُن مكانهم في الإنفاق عليه: (وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا) .
الهلاك و العذاب للمتآمرين و القاعدين عن نصرة إخوانهم:
أمّا أولئك الصامتون القاعدون المُتآمرون يقول الله تعالى بحقِّهم:
﴿ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)﴾
﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (168)﴾
ما من قطرة دمٍ تُراق في الأرض إلا ويتحملها إنسانٌ يوم القيامة:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾
والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي لا إله إلا هو، ما من قطرة دمٍ تُراق في الأرض في كل القارات، من آدم إلى يوم القيامة، إلا ويتحملها إنسانٌ يوم القيامة:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾
إلا دم المقتول بحدٍّ، فالله جلَّ جلاله يتحمل هذا الدم.
الامتحان الذي ابتلي به المسلمون في هذه الأيام من أصعب الامتحانات:
يا أيُّها الإخوة: نحن في امتحانٍ هو من أصعب الامتحانات التي يُبتلى بها المؤمنون، يُقوّي الله الطُغاة حتى يفعلوا ما يقولون، يقتلون البشر، ويهدمون الحجر، ثم يتصدرون على الشاشات، ويتحدثوا عن الديمقراطية، والحرية، والهجوم الدفاعي، ورعاية الحقوق الإنسانية، حتى إنَّ جرائمهم تطول البلاد، والعباد، والشجر، والدواب.
الآن دققوا: حتى يقول ضِعاف المؤمنين أين الله؟! هذا أصعب امتحان، يقوّي الله الطُغاة، يقتلون، يذبحون، يُفجِّرون، يهدمون، يتجبرون، يتغطرسون، يتحدثون عن كلامٍ فارغ، هذا امتحانٌ صعب، حتى يقول ضعاف الإيمان أين الله؟ ثم يُظهِر الله آياته حتى يقول الطُغاة لا إله إلا الله، ماذا قال فرعون في أثناء الغرق؟
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾
ولكن بعد فوات الأوان، هذا الامتحان الصعب، يُقوّي الله الطُغاة، يقتلون، يهدمون، يتغطرسون، يستكبرون، يستبيحون الحُرمات، ثم يتحدث عن الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، ويقتلون الأطفال بطلقاتٍ نارية ظهرت في صدورهم، ويقتلون النساء، و يهدمون البيوت:
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)﴾
من علامات قيام الساعة، موتٌ كعُقاص الغنم:
(( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ))
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يُغيِّر، إن تكلَّم قتلوه، وإن سكت استباحوه.
ثم يُظهِر الله آياته حتى يقول الطُغاة لا إله إلا الله (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قالها فرعون بعد فوات الأوان، هذا امتحانٌ صعبٌ جداً، أسأل الله لكم الثبات.
يا ربّ إنَّ أعداءك وأعداءنا يقولون كما قالت عاد من قبل: مَن أشدُّ منّا قوة؟ قُذفوا بالقنابل الانشطارية كالمظلة، قُذفوا بالقنابل الفسفورية، قُذفوا بأنواعٍ من الأسلحة تستخدم أول مرة على أُناسٍ ضعاف، على مدنيين عُزَّل، على أطفالٍ صغار، على نساء.
يا ربّ لقد غاب عنهم بغرورهم أنك أشدّ منهم قوة، فصُبَّ عليهم من عندك سوط عذاب، إنك لهم بالمرصاد.
اللهم إنّا نسألك بدموع الأطفال وبكائهم، وبخشوع الشباب وتضحياتهم، وببطولة الشابات واستشهادهن، وصلاح الأُمهات ووعيهن، وبركوع الشيوخ ودعائهم، أن تنصر إخوتنا في غزَّة على أعدائهم وأعدائك يا ربّ العالمين، وأن تجعل تدمير أعدائهم في تدبيرهم، وأن تجعل الدائرة تدور عليهم، يا عدل يا كريم.
اللهم إنّا نسألك باستغاثة المُستغيثين، واستجارة المُستجيرين، والتجاء المُلتجئين، وتسبيح المُسبّحين، وحمد الحامدين، وتهليل المُهللين، وبتكبير المُكبّرين، ورجاء الراجين، ألا تتخلى عنّا يا ربّ العالمين، وألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله يا كريم.
اللهم إنك أنت القائـل: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) فإن كنّا لا نستحق أن تنصرنا بعدلك، فانصرنا برحمتك، وإن كنّا لانستحق أن تنصرنا استحقاقاً، فانصُرنا تفضُّلاً، و أن ننتصر لإخواننا في فلسطين، وأن تردَّ عنهم كيد الكائدين عاجلاً غير آجل بما شئت، وكيف شئت يا ربّ العالمين.
اللهم إنك أنت القائل:
﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)﴾
وها نحن نستغيث بك، فنسألك أن تُغيثنا، فنسألك اللهم بصدق إيماننا بك، وخالص عبوديتنا لك، وبذُلّ افتقارنا إليك، أن تستجيب دعاءنا عاجلاً غير آجل يا ربّ العالمين.
اللهم إنك أنت القائل:
﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14)﴾
اللهم أرِنا تعذيبك لهم، أرِنا إهلاكك لهم، أرِنا قدرتك في تدميرهم يا ربَّ العالمين.
اللهم إنك أنت القائل:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)﴾
نحن يا ربّ لا نظن بك إلا النصر والتأييد، فنسألك اللهم بحسن ظننا بك، أن تنصرنا على أعدائنا يا كريم، نسألك اللهم أن تكفَّ عنّا بأس الذين كفروا، لأنك أشدّ بأساً وأشد تنكيلاً.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا ربّ العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنّا سترك ولا تُنسنا ذكرك يا ربّ العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعل ِكلمة الحق والدين، وانصُر الإسلام وأعز المسلمين، وخُذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
الملف مدقق