وضع داكن
16-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 008 ب - اسم الله الشاكر 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

معان دقيقة مستنبطة من آيات وأحاديث تتعلق باسم الشاكر:

 

1 – ذكرُ اللهِ للعبدِ إذا ذكره:

أيها الإخوة الكرام؛ لازلنا في اسم الشاكر، وهناك معان دقيقة تتصل بهذا الاسم يمكن أن نستشفها من بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصحيحة، ففي قوله تعالى:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)﴾

[ سورة البقرة ]

لأن الله سبحانه وتعالى هو الشاكر، إن ذكرته ذَكَرك، لكن ذكر الله لك غير ذكرك له، ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية.  

2 – ذكرُ العبدِ لربه سبب الأمن والطمأنينة:

لكنه إن ذكرك منحك نعمة الأمن، قال تعالى:

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾

[ سورة الأنعام ]

لا يتمتع بنعمة الأمن الحقيقي إلا المؤمن، أما غير المؤمن: 

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)﴾

[ سورة آل عمران ]

يمتلئ قلب المشرك خوفاً وفرقاً، بينما قلب المؤمن يمتلئ أمناً وطمأنينة، وفي قلب المؤمن من الأمن ما لو وزِّع على أهل بلد لكفاهم، نعمة يختصّ بها المؤمنون، إن ذكرته ذكرك، لكن ذكرك له أداء واجب العبودية، بينما ذكره لك أكبر بكثير من ذكرك له.  

3 – ذكرُ العبدِ لربه سبب للرضا:

إن ذكرك منحك نعمة الرضا، قد يملك الإنسان ملايين مملينة، ومع ذلك هو ساخط، بينما المؤمن راض عن الله عز وجل.

﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)﴾

[ سورة المجادلة ]

منحك نعمة الحكمة:

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[ سورة البقرة ]

منحك نعمة الطمأنينة، هذه النعم هي من ذِكر الله لك.  

4 – ذكرُ الله أكبر من كل شيء:

لذلك قال تعالى:

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

[ سورة العنكبوت ]

ذكر الله لك في الصلاة أكبر من ذكرك له، إذاً لأن الله عز وجل من أسمائه الحسنى أنه الشاكر، إن ذكرته ذكرك.  

5 – الله رفع ذكر النبي ولكل مؤمن من هذا الرفع نصيبٌ:

بل قال تعالى:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾

[ سورة الشرح ]

ما من إنسان على وجه الأرض رفع الله ذكره كرسول الله، ولكل مؤمن من هذه الآية نصيب، بقدر استقامته وإخلاصه يرفع الله عز وجل للمؤمن ذكره، يُعلي قدره، يُلقي محبة الخلق فيه، يُلقي في قلوب الخلق محبته، ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ . 

6 – تقرّب المؤمن بذكره لربَّه سبب لتقرّب الله منه:

لذلك لمجرد أن تقترب من الله خطوة تجد أن الله سبحانه وتعالى لأنه الشاكر يقترب منك، لذلك مع بعض التفصيل في الأحاديث الصحيحة:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ   قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».  ))

[ صحيح البخاري ]

قد تلقي كلمة في مجتمع معين، في مجموعة إخوة كرام، في عقد قران مثلاً، في سهرة، في لقاء، تتحدث عن الله عز وجل، تُغفِل نفسك، وتُغفِل بطولاتك، وتتحدث عن ربك، ((وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ)) هناك مستوى أرقى؛ تُذكَر بخير، لك سمعة طيبة، لك ذكر عَطِر، هذا من فضل الله عز وجل عليك، ومن تحقيق اسم الشاكر، ((وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا)) لمجرد أن تتحرك نحو الله بصلح، بتوبة، بإنابة، بذكر، بصدقة، بتلاوة قرآن، بفعل طيب مع مخلوق ما، لمجرد أن تتقرب إلى الله شبراً يتقرب الله إليك ذراعاً، ينتظر مبادرة منك، ينتظر حركة منك، ينتظر التفاتة منك، ينتظر إقبالاً منك، وهذا الشيء واضح جداً، لمجرد أن تتحرك نحو الله بعمل صالح، بصيام نفل، بصلاة نافلة، بغضّ بصر، بضبط لسان، بخدمة إنسان، بإطعام جائع، بهداية ضالّ، ((وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)) .

فَلَيتَكَ تَحلو وَ الحَياةُ مَريــرَةٌ            وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ

وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ           وَبَيني وَبَينَ العـالَميــنَ خَرابُ

[ أبو فراس الحمداني ]

* * *

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ ، ((فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )) هذا ضمن اسم الله الشاكر. 

7 – من شكر الله للعبد إلهام الأبناء برّهم للآباء:

الآن من معاني هذا الاسم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، يشكر الله لك برك لأبيك بأن يُلهم أولادك في المستقبل أن يكونوا بك بررة، عطاء في الدنيا قبل الآخرة.

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

[ سورة الرحمن ]

فالذي يَبَرّ أباه يهيئ الله له أولاداً بررة يطيعونه، يُعظّمونه، يحترمونه، في خدمته، كظله.  

8 – عفة الزوج سبب لعفة الزوجة:

وعفوا تعف نساؤكم، والذي يتعفف عن الحرام يكافئه الله بزوجة عفيفة، كما أنه عفّ عن الحرام هي تعفّ عن الحرام، لأن الله سبحانه وتعالى هو الشاكر، يشكر لك برك بأبيك بأن يزيدك من فضله عن طريق أولاد بررة هم في خدمتك، ويشكر لك عفتك عن الحرام بأن يجعل زوجتك عفيفة مثلك عن الحرام، عفوا تعف نساؤكم.  

9 – من وصل رحمه أعطاه الله زيادة في العمر وسعة في الرزق:

الآن ومن اسم الله  الشاكر أنه إذا وصلت رحمك زاد في عمرك ونفى عنك الفقر، لأن الضمان الاجتماعي في الإسلام أساسه النسب والجوار، فالأحاديث التي توصي بالجار كثيرة جداً، والأحاديث التي توصي بصلة الرحم كثيرة جداً.
 

معنى صلة الرحم:


ما معنى صلة الرحم؟ أقرباؤك مَن لهم غيرك؟ الآخرون أنت لهم، وغيرك لهم، أما أقرباؤك مَن لهم غيرك؟ لا تعني صلة الرحم أن تُطِلّ عليه في كل عيد دقائق معدودة، ومعك البطاقة، وتتمنى ألا تراه في البيت كي توفر الوقت، ليست هذه صلة الرحم.
صلة الرحم أن تتصل به، وأن تزوره، وأن تجلس معه، وأن تتفقد أحواله، وأن تأخذ بيده إلى الله عز وجل، هذه صلة الرحم التي أرادها الله عز وجل، تبدأ باتصال، ولعله اتصال هاتفي، ثم بزيارة، ثم بتفقد أحوال، ثم بمساعدة مادية أو معنوية، ثم بأن تأخذ بيده إلى الله عز وجل، هذه صلة الرحم التي تزيد في العمر، وتزيد في الرزق.
 

معنى زيادة العمر بصلة الرحم:


معنى تزيد في العمر، للعلماء وقفة عند هذا المعنى، الحقيقة العمر لا يتقدم ولا يتأخر، لكن قيمة العمر بمضمونه، إنسان فتح محله التجاري من الساعة التاسعة صباحاً وحتى التاسعة ليلاً، وقت محدود، الفرق بين محلين تجاريين، محل قيمة غلته ألف، ومحل غلته مليون، فزيادة العمر تعني مضمون العمر، قد يكون مضموناً كثيفاً جداً. 
الإمام الشافعي عاش أقل من خمسين سنة، لكنه ترك خيرات لا يعلمها إلا الله، الإمام النووي عاش أقل من خمسين سنة، وهناك أناس عاشوا تسعين عاماً وما فعلوا شيئاً، فلذلك زيادة العمر في رأي بعض العلماء أن العمر قيمته بأعماله الصالحة، العمر الحقيقي عمر العمل الصالح، وأتفه أعمار الإنسان عمره الزمني، لكن أجلّ أعماره عمره في العمل الصالح، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: 

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. ))

[ متفق عليه ]

صلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر، إن أردت أن يُنسأ الله لك في أجلك، وأن يزيد في رزقك فصِل رحمك، هذه من الطاعات التي حضّ عليها النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الله سبحانه وتعالى شاكر، لو تتبعنا أحوال الناس، الإنسان الذي يتفقد أهله، يعين أهله، ينفق عليهم، أهله بالمعنى الواسع، أقرباؤه من طرف أبيه، ومن طرف أمه، ومعنى الرحم واسعة جداً، كل أقربائك من دون تفصيل، كل أقربائك من جهة أبيك ومن جهة أمك، لأن الله عز وجل جعل صلة الرحم أحد أنواع الضمان الاجتماعي، لذلك قال العلماء: لا تُقبل زكاة إنسان وفي أقربائه محاويج، والكلمة التي أقولها دائماً: هؤلاء أقرباؤك مَن لهم غيرك؟ الآخرون أنت لهم وغيرك لهم، أما أقرباؤك مَن لهم غيرك؟
أحياناً إنسان له أخت متزوجة في طرف المدينة، لا يوجد عنده وقت لزيارتها، لكن لو أنه زارها ما الذي يحصل؟ يرفع معنوياتها، تنتعش أمام زوجها، أمام أولادها، لا تنام الليل مِن فرحها، لذلك هناك أناس يزورون أقرباءهم الأقوياء أو الأغنياء أو اللامعين في الحياة، أما أقرباؤهم المساكين يهملونهم من عام إلى عام. 
يا أيها الإخوة الكرام؛ لو طبقنا صلة الرحم لكنا في حال غير هذا الحال، المجتمع متمزق من ضعف هذه الطاعة، أما لو وصلنا رحِمنا، تفقدنا أحوال بعضنا بعضاً، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى أنك إذا أعطيت أقرباءك من مالك، من مال زكاتك، فهذه الزكاة لها أجران عند الله، لك أجر الصدقة، ولك أجر الصلة، ألا تحبّ أن تنال ثواباً مضاعفاً؟ تفقّد بهذا المال الذي هو مال زكاتك تفقّد أهلك، بل إن بعض العلماء يؤكد أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل زكاة مال مسلم وفي أقربائه محاويج، والحقيقة هناك ظاهرة عجيبة؛ عمله الصالح لكل الناس إلا أقربائه، هؤلاء أقرب الناس إليك، أنت بعملك الصالح مع هؤلاء تُقربهم منك.
والله حدثني أخ زاره قريبه في بيت تحت الأرض، ضعيف الشمس، رطب، والزائر رجل مُنعَم، قال له: هذا المكان لا يليق بأولاده من أجل صحتهم، قال لي: والله زيارة واحدة نقلني إلى بيت آخر، في الطابق الثالث باتجاه القبلة، قال لي: والله أنعشني، القصد من الزيارة أن تُمِدّ يد العون، الزيارة دائماً من القوي إلى الضعيف، من الغني إلى الفقير، من العالم إلى الجاهل، فالأولى طبعاً الأقوى منك ليس بحاجة إليك، يجب أن تزوره طبعاً، لكن ليس بحاجة إليك، مَن هو بحاجة إليك؟ من هو أضعف منك، من هو أفقر منك، فإذا تراحم الناس يرحمنا الله جميعاً، أما إذا تدابر الناس، وتناكر الناس، ولم يعبأ أحد بأحد سخط الله علينا جميعاً.
 

العمل الصالح لابد من أن تنال جزاءه:


أيها الإخوة؛ الآن ورد: مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ ، وهذا من اسم الله الشاكر.
لكن كما قلت البارحة أيّ عمل صالح قُدِّم لمخلوق كائناً من كان وكائناً ما كان، كائناً من كان للبشر، للعقلاء، وكائناً ما كان لغير البشر، لمخلوق، لقطة، لجرو صغير، أيّ عمل صالح قُدِّم إلى أي مخلوق كائناً من كان، أو كائناً ما كان، لابد من أن يُجازي الله عليه مُقدِّمَه، مسلماً كان أو كافراً، في الدنيا أم في الآخرة، مستحيل، مستحيل أن تقدم عملاً صالحاً لأية جهة في الأرض دون أن تنال الجزاء، فإن كنت مؤمناً بالله وباليوم الآخر كان الجزاء في الدنيا وفي الآخرة، وإن كان الإنسان بعيداً عن الله، مؤمناً بالدنيا، ولم يؤمن بالآخرة كان الجزاء في الدنيا أبداً، ما أحسن عبد من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أم في الآخرة، العمل الصالح لابد من أن تنال جزاءه، فالذي يُنفق يُوسّع الله عليه بماله، والذي يدعم الضعفاء والمساكين يُقوّي ربنا عز وجل مكانته في المجتمع، والذي يبذل من وقته لخدمة الخلق يُبارك الله له في وقته، فلذلك الله عز وجل أمرنا أن نؤدي زكاة أموالنا، ومن منا ينتبه إلى أن الوقت له زكاة؟ لمجرد أن تؤدي الصلوات في أوقاتها أنت اقتطعت من وقتك الثمين وقتاً لطاعة الله، المكافأة على ذلك أن الله سبحانه وتعالى يبارك لك في وقتك، فتفعل في الوقت القليل الشيء الكثير.
وأحياناً إذا ضنّ الإنسان بوقته الثمين أن يعبد الله فيه، أو أن يحضر مجلس علم يُتلف الله له وقته، أحياناً يشعر الإنسان أنه لا يوجد توفيق، عنده قائمة أعمال، انتقل من مكان إلى مكان، يقول له: الآن أغلق المحل ومشى قبل دقيقة، يسافر من مكان إلى مكان لا يتحقق معه شيء، فالله عز وجل قادر أن يضيع الوقت مع الشعور بالألم، وقادر أن يبارك لك في وقتك، لذلك أحياناً الوقت له زكاة، إن أنفقت بعض وقتك في طاعة الله، في أداء العبادات، في طلب العلم، يبارك الله لك في وقتك، وإن أديت شيئاً من جهدك في خدمة الخلق الله عز وجل يبارك لك في جهدك. 
والله حدثني أخ قال لي: دخل إلى محلي إنسان من طرف المحافظات الشمالية، قال له: هل تُعَلّمني صنع هذه الحلوى، حلوى معينة، قال له: حباً وكرامة، صنع أمامه طبخة، قال له: اكتب عندك التفاصيل، وكلفه أن يصنع أمامه طبخة ثانية، والإنسان من محل بعيد من أقصى القطر، أقسم لي بالله منذ ثلاثين عاماً ما مِن عام إلا ويأتي إليه بهدايا ثمينة، يقول له: أنت فضلك عليّ كبير، هذا الإنسان المؤمن، أنت حينما تبذل فالله عز وجل يُكرمك، لذلك: مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ ، لأن الله عز وجل هو الشاكر، إنسان عادي إن قدّمت له معروفاً يتفنن في شكرك، يبتسم، ينحني نصفين، يبارك لك هذا العمل، يقول لك: خجلتنا، تفضلت علينا، إنسان عادي، خالق الأكوان صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى أيعقل أن تُقدّم معروفاً في الدنيا أم في الآخرة دون أن ترى ثماره؟  

من يعرف الله يتفنن في خدمة مخلوقاته:


إخوتنا الكرام؛ الان لو قدمت معروفاً لكلب، دققوا في هذا الحديث،

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ.  ))

[ متفق عليه ]

لأن الله شاكر، ((قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)) والله لعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا بخدمة مخلوق ضعيف، بخدمة هرة مريضة، هناك أشخاص يأخذون هذه الحيوانات المريضة إلى مستوصفات بيطرية يعالجونها، هناك أناس مغرمون بإطعام الحيوانات.
لذلك أيها الإخوة؛ أنت حينما تعرف الله تتفنن في خدمة مخلوقاته، المؤمن إنسان عظيم، إنسان اصطلح مع الله، فاصطلح مع خلقه جميعاً، المؤمن يبني حياته على العطاء، يعيش ليعطي، لأن أحد كتّاب السيرة ألّف كتاباً عن رسول الله عمِل له إهداء رائعاً فخاطب النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، الأنبياء بنوا حياتهم على العطاء، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، يُقابل الأنبياء الأقوياء، أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء عاشوا للناس، والمؤمن يقتدي برسول الله يعيش للناس، يرى أن الله سبحانه وتعالى يرضى عنه إذا كان في خدمتهم، يعيش للناس،

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمناً ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه.  ))

[ صحيح مسلم ]

من اسم الله الشاكر ((من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)) هذه النصوص كلها تحت اسم الشاكر.
 ((قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)) أي عمل صالح موجه إلى أي مخلوق، أي هناك أشخاص مغرمون بإطعام الطيور، يشترون الحَب لها، يضعونه على سطح البيت، والطيور تأتي تباعاً وتأكل.
فلذلك أيها الإخوة؛ يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
أيها الإخوة؛

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. ))

[ متفق عليه ]

أحياناً شاحنة كبيرة تقف لإصلاح بعض العجلات، تضع حجراً كبيراً وراء العجلة، ثم تنطلق، الطريق طريق سفر سريع وحجر قد يُسَبّب دمار أسرة بأكملها، هناك إنسان يقف ويزيح هذا الحجر، يشكر الله له.
أيها الإخوة؛ الله عز وجل هو الشاكر، ومن أسمائه أيضاً هو الشكور.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور