وضع داكن
11-02-2025
Logo
الدرس : 28 - سورة النساء - تفسير الآيتان 56 -57 تطابق المنهج مع المعجزة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

الكون المترامي الأطراف يدل على الله عز وجل:


 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن والعشرين من دروس سورة النساء، ومع الآية السادسة والخمسين، وهي قوله تعالى: 

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا(56)﴾

[ سورة النساء  ]

 أيها الإخوة: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا﴾ كلكم يعلم أن الله جل جلاله لا تدركه الأبصار، ولكن هذا الكون المترامي الأطراف كله يدل على الله عز وجل، قال الشاعر: 

وفي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ   تدلُّ على أنّه واحـــــــــدُ

[ لبيد بن ربيعة العامري ]

 لو أن الإنسان أراد أن يؤمن فقد تدله على الله بَعرة، كما قال الأعرابي: "البعرة تدل على البعير، والأقدام تدل على المسير، والماء يدل على الغدير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فِجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير" !

الكافر ما أراد أن يعرف الحقيقة أراد الدنيا والانغماس في المتع الرخيصة:


 هناك قضية في القرآن تلفت النظر، يقول الله دائماً في آيات كثيرة: 

﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِۦٓ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248)﴾

[ سورة البقرة ]

 يا ترى هذه الآية نؤمن بها أم إذا كنا مؤمنين بها نستفيد منها؟ يبدو أن الإنسان إذا أراد أن يؤمن، وأن يتعرف إلى الله، إذا أراد الحقيقة، إذا أراد أن يفهم، إذا أراد أن يعقل، كل شيء في الكون يدله على الله، لكن إن أراد الشهوة، إن أراد الدنيا، إن أراد العلو في الأرض، إن أراد الاستمتاع لو أنه في أكبر وكالة فضاء في العالم، ويرى كل يوم مئات المجرات، لو أنه على مجهر إلكتروني يكبّر أربعمئة ألف مرة لا يؤمن، تماماً كآلة تصوير بالغة التعقيد، غالية الثمن، فيها خصائص لا تُصدَّق، لكن ليس فيها فيلم التصوير فلا قيمة لها. فهذا الإنسان الذكي المُتبحِّر في العلم الذي نال أعلى الدرجات إن أراد من علمه شهوةً، أو مكسِباً، أو سُمعةً، أو مالاً، أو ذِكراً فإنه لا يؤمن، وبين يديه آيات بيّنات واضحات صارخات، وهذا الذي أراد الحقيقة، أو أراد الهدى، أو أراد الإيمان، أو أراد أن يعرف أصغر شيء يدله على الله، ابنه يشهد له كيف خُلِق هو، الشمس والقمر، طعامه وشرابه، زوجته، نومه ويقظته، ماء الأمطار، العصافير، الأطيار، الأسماك، البحار، الجبال، قال تعالى: 

﴿  فَلْيَنظُرِ ٱلْإِنسَٰنُ إِلَى طَعَامِهِ(24)﴾

[  سورة عبس ]

 طعامه يكفي، زواجه يكفي، أولاده إن تأمل في أطوار خلْقهم وهو الأب، هذه آيات تكفيه أن يعرف الله عز وجل. فالكافر هو بالأصل ما أراد أن يعرف الحقيقة، أراد الدنيا، أراد الشهوة، أراد الانغماس في المتع الرخيصة، أراد المال، ألَّهَ هواه.

الله عز وجل لا تدركه الأبصار لكن خلقه وأفعاله وكلامه يدلون عليه:


 قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا﴾ هناك آيات دالة على الله، وقد قيل: هناك آيات كونية دالة على الله، وهناك آيات تكوينية دالة على الله، وهناك آيات قرآنية دالة على الله، الله عز وجل لا تدركه الأبصار لكنه خلقَ الكائنات، لا تدركه الأبصار لكنّ أفعاله بيّنات واضحات، لا تدركه الأبصار لكنّ كلامه بين أيدينا، لذلك قالوا: إذا أردت أن تحدِّث ربك فادعُه، وإذا أردت أن يحدِّثك الله فاقرأ القرآن. 
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا﴾ لم يعبأ بها، تماماً كما لو أن إنساناً فاضت عنده المياه فأتلفت الأثاث، فانطلق من بيته يريد قطعة كي يتلافى بها نزول المياه إلى أطراف البيت، هو مندفع ليشتري هذه الحاجة كي يمنع تسرُّب المياه، هو لا يرى شيئاً إلا هذه الحاجة، لو رأى سِلعة رائعة رخيصة لا يعبأ بها، لذلك حب الدنيا يعمي ويُصِمّ، الإنسان حينما يحب الدنيا لا يرى شيئاً، حب الدنيا رأس كل خطيئة.
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارًا﴾ كل المخلوقات أبت أن تحمل الأمانة حينما عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال: 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72)﴾

[  سورة الأحزاب ]


الإنسان مخلوق قَبِل حمل الأمانة وما سوى الإنسان أبى أن يحملها وأشفق منها:


 فالمخلوقات لا تُعذَّب لأنّها ليست مُكلَّفة، لأنها لم تقبل حمل الأمانة، لأنها أشفقت من حمل الأمانة، فالملائكة اختاروا أن يكونوا مع الله دائماً من دون تكليف ومن دون مسؤولية، والحيوانات اختاروا أن يكونوا مع الشهوة من دون تكليف ومن دون مسؤولية، أما الإنسان فحملها الإنسان: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ﴾ لذلك ركّب الله بنيته من شهوة وعقل، من قبضة من تراب الأرض، ونفخة من روح الله، فيه ميول عليا، وحاجات عليا، وفيه ميول دنيا، وحاجات سفلى، إن تحرك في شهواته وفق منهج ربه لا شيء عليه: 

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(50)﴾

[  سورة القصص ]

 لو اتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، فالإنسان مع أن فيه عقلاً وفيه شهوة لكن إذا سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإنْ سمَت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، فهذا الإنسان قَبِل حمل الأمانة، وقال: أنا لها يا رب، فلما جاء إلى الدنيا غلبته شهوته، ونقض عهده مع ربه فاستحق النار.

الاعتداء من لوازم الذي يتحرك بلا منهج:


 الإنسان أيها الإخوة حينما يؤمن له جنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر له على قلب بشر، وإذا لم يؤمن سوف يدفع ثمن انحرافه جزاء وِفاقاً، حينما لم يؤمن، وحينما تحكمت فيه شهوته انطلق ليروي شهواته لا وفق منهج الله، بل وفق مزاجه وأهوائه فاعتدى، من لوازم الذي يتحرك بلا منهج أن يعتدي، قال تعالى:

﴿  أَرَءَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)﴾

[ سورة الماعون ]

﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ﴾ ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا﴾ سواء بآياتنا الكونية، أو بآياتنا التكوينية، أو بآياتنا القرآنية. 
﴿سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارًا﴾ هذا وعيد من الله عز وجل لكن هذه النار تُحرِق الجلد، يتوهم الكفار أنّ هذا الجلد الذي يتألم من خلاله يحترق وينتهي، وانتهى الأمر، أمضينا كل العمر في الملذّات والشهوات، وعند الاحتراق؛ بعد أن يحترق الجلد ينتهي العذاب، لكن الله عز وجل إذا وعد بالعذاب فوعدُه واقع لا مَحالة، لذلك يقول الله عز وجل: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ﴾

تطابق المنهج مع المعجزة شيء يتميز به النبي الكريم لأنه خاتم الأنبياء:


 الحقيقة التي تُعذَّب هي النفس، لكن هذه النفس حينما تكون مرتبطة بالجسد، حينما يعالج طبيب الأسنان سِناً من أسنانك من دون تخدير، وتصل أداته إلى عصبٍ تحس بألمٍ لا يوصف، وقد تصرخ، وقد تمسك بيده، لماذا؟ لأن هذا الألم انتقل إلى المخ، وهناك مَن يرى أن هذا الألم وصل إلى النفس، وأن هذه الأعضاء، وأن هذه الجلود إنما هي وسائط لنقل الألم إلى النفس، لذلك حينما تُخدَّر هذه الأعضاء أو تلك الجلود لا ينتقل الألم إلى النفس. في الآخرة لأن وعيد الله عز وجل أن يحترق الإنسان إن كان كافراً إلى أبد الآبدين، والجلد يحترق. 
﴿كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا﴾ الحقيقة أيها الإخوة، لا بد من تعريف دقيق بأن نبوة الأنبياء كانت محدودةً بأقوامهم، قال تعالى:

﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦٓ ۗ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)﴾

[ سورة الرعد ]

فكل نبي أُرسِل إلى قومه حصراً، وخصائص الأنبياء السابقين أن معجزتهم غير منهجهم؛ سيدنا موسى معجزته العصا ومنهجه التوراة، سيدنا عيسى معجزته إحياء الميت ومنهجه الإنجيل، لكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معجزته القرآن ومنهجه القرآن، فتطابُق المنهج مع المعجزة شيء يتميز به النبي عليه الصلاة والسلام لأنه خاتم الأنبياء، ولأنه مُرسَل إلى كل أمم الأرض، هناك معجزة مستمرة إلى يوم القيامة، ذلك أن معجزات الأنبياء السابقين كعود الثقاب تألقت مرةً واحدة، ثم انطفأت فأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، لكن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام بين أيدي الناس إلى يوم البعث، إلى يوم القيامة.

الإعجاز العلمي في خلق البعوضة:


 هناك آية في سورة البقرة: 

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)﴾

[  سورة البقرة ]

 من قبل كنت مُطَّلِعاً على بحث علمي حول البعوضة، فكنت في بعض المناسبات أتحدث عن البعوضة على أنها تملك ثلاثة قلوب، كلمة قلب تعني أربعة أجواف، ودسّامين، أُذَينين، بُطَينَين، شرايين، حركة نوبية، للبعوضة ثلاثة قلوب؛ قلب مركزي، وقلب لكل جناح، وللبعوضة جهاز رادار تتجه إلى جبين الصبي، وللبعوضة جهاز تحليل دم، وللبعوضة جهاز تخدير، وللبعوضة جهاز تمييع، ولها محاجِم إن وقفت على سطح أملس، ولها مخالب إن وقفت على سطح خشن، ويرف جناحاها عدداً كبيراً من المرات حيث يؤدي هذا الرفيف إلى طنين، بعد حين، بعد عدة سنوات اطَّلعت على مقالة عن البعوضة، فإذا هي تشمّ رائحة عرق الإنسان من ستين كيلو متراً، اطَّلعت على بحث آخر أذهلني، فقرة من موسوعة علمية حديثة جداً، للبعوضة مئة عين لو كبّرنا رأس البعوضة لوجدنا طرفَي رأسِها على شكل خلية النحل، كل حفرة في هذه الخلية عين، لها مئة عين، ثم لها مستقبلات حرارية، هذه المستقبِلات تستقبل الحرارة عن بعد، وعندها حساسية لواحد على ألف من درجة الحرارة، لو قسمنا درجة حرارة واحدة إلى ألف درجة هذه المستقبلات عندها حساسية كي تكتشف ارتفاع أو انخفاض واحد على ألف من الدرجة، الأشكال التي أمامها تتلون بحسب الرائحة، الأشياء التي أمامها تراها بمئة عين بألوان متناسبة مع درجة حرارتها، لذلك إذا كانت في غرفة مظلمة ترى الطفل بعينيها بالأشعة تحت الحمراء، لأن الأشعة تحت الحمراء أشعة حرارية وليست ضوئية، تتحسس الحرارة على مستوى واحد من ألف من الدرجة، تتجه إلى جبين الصبي، ومن الذي صنع لها هذا المُخدِّر؟ لولا هذا التخدير لقُتِلت مع كل لسعة، هي تمتصّ دم الإنسان، وبعد أن تطير ينتهي التخدير فيشعر باللسعة، فيضرب يده بلا طائل، وتكون هي قد طارت، أما الشيء الذي لا يُصدَّق أن في خرطومها ست سكاكين، أربعة تقطع الجلد، وسكينان يندمجان مع بعضهما البعض فيكونان أنبوباً، هذا هو أنبوب امتصاص الدم، وأساس هذا الأنبوب سكينان مندمجان مع بعضهما بعضاً، كأن السكين على شكل مجراة مُحدَّبة، وتأتي الثانية فوقها فتكون أنبوباً يُغرَس في لحم النائم بعد أن تُستخدَم السكاكين الأربعة في تقطيع الجلد من أربع زوايا.
 هذا كله في البعوضة، مستقبِلات حرارية، في خرطومها ست سكاكين، أربعة لقطع الجلد، وسكينان ليكونا مع التوليف أنبوباً لامتصاص الدم، ومئة عين، من صنع لها مادة التخدير؟ مَن صنعَ لها مادية التمييع؟ من صنعَ لها المستقبلات الحرارية؟ من أعطاها القدرة على اكتشاف ضحيتها مباشرةً؟ من جعل لها قلوباً ثلاثة؟ من جعل لها مئة عين؟ من جعل لها قوائم تستخدم المحاجم أو المخالب؟ 

كلما تقدم العلم اكتشف جانباً من عظمة الله عز وجل:


 ماذا يقول الله عز وجل؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ هذه الآية إعجاز علمي؛ ما من مخلوق أهون على الإنسان من بعوضة، الآن كلمة بعوضة مئة عين، ثلاثة قلوب، محاجم، مخالب، مستقبلات حرارية، جهاز تخدير، جهاز تمييع، جهاز رادار، شيء عجيب!
 أيها الإخوة الكرام، في القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية، كلما تقدَّم العلم اكتشف جانباً من عظمة الله عز وجل، إذاً منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج ومعجزة في وقت واحد. 
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا﴾ في بحث علمي حول طبيعة الألم أين الأعصاب؟ آخر ما توصل له العلم أن الأعصاب منبسطة في جلد الإنسان، بدليل أنك لو أخذت حُقنةً تشعر بالوخز لفترة قصيرة، وبعد الشعور بالوخزة لا تُحس بشيء، معنى ذلك أن الحِقنة حينما غُرِزت بالجلد لامست عصباً، لكن ما هذه الشبكة؟ ائتِ بدبوس في أي مكان من جلدك اغرسه تشعر بالألم، أي أن هذه الشبكة تغطي كل مساحة الجلد على مستوى واحد بالمئة من الميليمتر، شبكة الأعصاب الحسية هذه التي تذوق العذاب، هذه التي تحس بألم الإحراق، فهذا الجلد لو أنه احترق، واحترقت معه أعصاب الحس لانتهى العذاب، لكن إعجاز القرآن الكريم يشير إلى أن هذا الجلد كلما احترق بدّله الله بجلد جديد ﴿كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا﴾ .

المعجزات السابقة حسية لذلك أصبحت خبراً أما القرآن الكريم فمعجزة مستمرة 


 لو أنك فتحت بطن مريض، وفتحت أمعاءه وصببت فيها ماءً يغلي لا يشعر بشيء لأن أعصاب الحس لا وجود لها في الأمعاء، لكن الأمعاء تتأثر بالضغط، لذلك قال تعالى: 

﴿ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَآ أَنْهَٰرٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍۢ وَأَنْهَٰرٌ مِّن لَّبَنٍۢ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُۥ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ خَمْرٍۢ لَّذَّةٍۢ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ عَسَلٍۢ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ(15)﴾

[  سورة محمد ]

 ما قال: أحرقهم، قال: ﴿فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ﴾ الأمعاء تتقطع، والذي يؤلم في الأمعاء التقطُّع، ولذلك اضطراب الأمعاء يسبب آلاماً لا تحتمل، لا من قبيل الحرق بل من قبيل التقطع. 

﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ(83)﴾

[ سورة المائدة ]

 الحقيقة أن الدمع يجري بشكل مستمر، له مصرِفان في قعر مؤق العين، وهذان المصرفان يصبان في الأنف، فرطوبة الأنف تأتي من أن الدمع يسيل إليه بشكل مستمر.
 أيها الإخوة، ما هو البكاء؟ حينما يكون إفراز الدمع بكمية أكبر من طاقة التصريف فيفيض الدمع، فكلمة ﴿أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ﴾ فيها إعجاز علمي.
 إذاً نحن أمام كتاب منهجي، وأمام كتاب إعجازي، معجزة النبي عليه الصلاة والسلام ومنهجه في كتاب واحد، طبعاً المعجزات السابقة حسية، لذلك انتهت مع نهاية بعثة النبي إلى قومه أصبحت خبراً، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام أرسله الله إلى الناس كافة فلا بد من معجزة مستمرة، إنها القرآن الكريم، لذلك يقول الله عز وجل: 

﴿ سَنُرِيهِمْ ءَايَٰتِنَا فِى ٱلْآفَاقِ وَفِىٓ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ(53)﴾

[  سورة فصلت ]


منهج الله عز وجل يضبط للإنسان شهواته:

 قال تعالى: ﴿لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ معنى كان عزيزاً حكيماً، العزيز الذي تشتد الحاجة إليه، والعزيز الذي لا يُنال جانبه، والعزيز الذي لا يخيب مُؤَمِّله، فالله عز وجل كان عزيزاً حكيماً.
 هؤلاء فريق الذين كفروا وكذبوا بآياتنا أي لم يتعرفوا إلى الله لا من خلال آياته الكونية، ولا من خلال آياته التكوينية، ولا من خلال آياته القرآنية، ولأنهم حينما كفروا بالآيات كفروا بالمنهج، وتحركوا من دون منهج، تحركوا فاعتدوا. 
 توضيح لطيف، لو تصورنا أن الإنسان كفر بآيات الله ولم يؤذِ أحداً فهناك مشكلة، حينما يكفر بآيات الله لا بد أن يعتدي، لأن منهج الله يضبط لك شهواتك، أما بلا منهج فالشهوات طليقة والعدوان مستمر، فمستحيل وألف ألف مستحيل ألاّ تعبأ بمنهج الله ثم تستقيم، أبداً.
 إذا كان الإنسان ذكياً جداً لدرجة أنه يُقنِع الناس بكماله وهو على الباطل يمتحنه الله عز وجل، فيُصاب ببعض مصالحه، فيصبح كالوحش، وهذا ترونه جميعاً كل يوم، هذا البلد القوي الغني الذي طمع الناس أن يصلوا إليه، ولفت نظر الناس، وخطف أبصار البشر، وكان قِبلة البشر، وكان أمنية البشر حيث الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والرفق بالحيوان، والثراء الفاحش، والطبيعة الجميلة، هؤلاء ادّعوا أنهم كاملون، فتحدثوا عن حقوق الإنسان، وتحدثوا عن حرية الإنسان، وتحدثوا عن حق مقاضاة الإنسان...إلخ، فلما أُصيبوا في مَقتلٍ لهم أصبحوا كالوحوش، إذاً لا كمال من دون إيمان، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾

دائرة المرئيات محدودة بينما دائرة المسموعات أوسع ودائرة الخواطر لا تنتهي:


 الطرف الثاني، قال تعالى: 

﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۖ لَّهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلًّا ظَلِيلًا(57)﴾

[ سورة النساء ]

ليست جنة، بل جنات، الإنسان في الدنيا عنده قلق عميق، صحته طيبة، لكن هذه الصحة لا تستمر، مستحيل، لا بد من يوم يكتشف الإنسان أن في جسمه شيئاً لم يكن من قبل، قد يكون هذا بداية مرض الموت، إذاً يوجد قلق عميق على أن هذه الحياة لا تدوم لأحد، ولا تستقر على حال، بل هي متقلِّبة، لكنك في الجنة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يحدثنا عن ربه: 

((  أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ))

[  متفق عليه  ]

 (مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ) دائرة المرئيات محدودة، أنا سافرت إلى أستراليا، إلى ماليزيا، إلى أمريكا، إلى بريطانيا، إلى المغرب، إلى مصر، مثلاً، محدودين، لكن في العالم مئتا دولة، لكنني أسمع في الأخبار عن موسكو مثلاً، أسمع عن مدينة في إفريقيا، دائرة المرئيات محدودة، بينما دائرة المسموعات أوسع بكثير، أما دائرة الخواطر فهذه لا تنتهي، أي خاطرة تأتي إلى ذهنك يمكن أن تكون معقولة، قد يخطر في بالك قلم طوله ألف كيلو متر، ممكن هذه خاطرة (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)

إيمان بلا عمل لا قيمة له وعمل بلا إيمان لا قيمة له فلابدّ من عمل مبني على إيمان:


 هذه الجنة التي عرضها السماوات والأرض، والتي أنت فيها إلى أبد الآبدين، وما أنت فيها من المُخرَجين، والتي فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذّ الأعين، هذه الجنة ليس فيها مرضٌ، ولا قلقٌ، ولا خوفٌ، ولا حرجٌ، ولا زوجةٌ سيئةٌ، ولا ابنٌ عاقٌّ، ولا مرض عُضال، ولا عدوٌّ يهدد، ولا منافقٌ يحسد، ولا نفسٌ غاويةٌ، ولا شيطانٌ يوسوس، فيها ما تشتهيه الأنفس، لذلك أيها الإخوة أعقل العقلاء مَن سعى إلى جنة عرضها السماوات والأرض، هذا هو العاقل، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يعجب ممن يعرف أن الجنة حق، وأن النار حق، ثم لا يعمل للجنة، ولا يتقي النار.
 لذلك قيل: "اعمل لله بقدر حاجتك إليه" ، أنت محتاج إليه في كل شيء، "واتقِ النار بقدر صبرك عليها، واعمل للجنة بقدر مقامك فيها" ، اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، الإنسان حتى يستقر من الثلاثين حتى الأربعين نوعاً ما حتى يستقر، ثم تنمو حياته شيئاً فشيئاً، فإذا بلغ الأوج بلغت خبراته الأوج، له دخل كبير، استقرت حياته، بنى معارف، شبكة علاقات، يأتيه ملك الموت في أحرج وقت، هذه هي الدنيا، ما جمّعه في عمر مديد يخسره في ثانية واحدة، وكل ممتلكاته متعلقة بنبض قلبه، وكل أمواله الطائلة متعلقة بسيولة الدم في شرايينه، وكل مكاسبه متعلقة بنمو خلاياه، كل هيبته متعلقة بحالته الصحية، بقُطر شريانه، الموت قريب جداً، فهذا الذي يعمل للدنيا إنما هو يغامر ويقامر. 
فيا أيها الإخوة الأكارم، هاتان الآيتان: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا*وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ كلمة ﴿ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ تتوارد في القرآن بعدد كبير جداً، فإيمان بلا عمل لا قيمة له، وعمل بلا إيمان لا قيمة له، فلا بد من عمل مبني على إيمان. 

كل ما في الجنة كمال مطلق:


 ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ﴾ طبعاً (فيها ما لا عين رأت) ، أوصاف الجنة تقريب لنا، مثلاً أنهار الجنة ﴿فِيهَآ أَنْهَٰرٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍۢ﴾ ماء رقراق، عذْب، فرات، ﴿وَأَنْهَٰرٌ مِّن لَّبَنٍۢ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُۥ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ خَمْرٍۢ لَّذَّةٍۢ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ عَسَلٍۢ مُّصَفًّى﴾ معنى ذلك أن كل ما في الجنة في كمال مُطلق، شباب دائم، حياة أبدية، شبح الموت يقطع الرقاب، أنت من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، أما في الجنة فقد قال تعالى: 

﴿ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)﴾

[ سورة الحجر ]

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٍۢ مُّتَقَٰبِلِينَ (47)﴾

[ سورة الحجر ]

﴿ مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ سُرُرٍۢ مَّصْفُوفَةٍۢ ۖ وَزَوَّجْنَٰهُم بِحُورٍ عِينٍۢ (20)﴾  

[ سورة الطور ]

﴿  قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)﴾

[  سورة الحاقة ]

﴿  وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً(20)﴾

[  سورة الإنسان ]

 إخواننا الكرام، الشيء المؤسف جداً أن مفهومات الجنة ليست داخلة في حسابات الناس، كما أن مفهومات النار ليست داخلة في حسابات الناس، داخل في حساباتهم أسعار العملات، وطريقة اقتناص الشهوات، داخل في حساباتهم خصوماتهم، داخل في حساباتهم انغماسهم إلى قمة رؤوسهم بالشهوات، أما هذا الموت الذي يُصعَق له الإنسان فهو خارج حساباتهم، لذلك يقول الله عز وجل: 

﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ(42)﴾

[  سورة المعارج ]


الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل:


 هذا اليوم الذي وُعدنا به لا بد آتٍ، قال الشاعر:

ما بينَ غَمضَةِ عَينٍ وانتِبَاهتِهـــا   يُغيّرُ اللهُ من حــــالٍ إلى حـــــــالِ

****  

عدِّد الذين ماتوا من أقربائك والذين حولك تجده عدداً كبيراً، كان إنساناً له بيت، له أهل، له زوجة، يزورك، يُطلّ إليك، يسلم عليك، يبتسم، يضحك، يكسب مالاً، ينفق، ينام، يأكل، في ثانية واحدة أصبح خبراً على الجدران، وكل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت. 

واللّيــلُ مهمــــا طــــــالَ   فلا بدّ من طُلــوعِ الفجْـــــرِ

والعُمـــرُ مهمـا طـَــــــالَ   فلا بدّ مـــن نُــزولِ القَبــــرِ

   ****

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ   يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ

كعب بن زهير

فـإذا حملتَ إلى القبـــــورِ جنــازةً    فـاعلمْ بأنّك بعدَهـــــــا محمـولُ

****

 حدثني أخ يصلي في جامع في أحد أحياء دمشق، قال لي: أحد المصلين عنده روح دعابة لطيفة، كلما صلينا الفجر معاً وخرجنا من المسجد يُتحِفنا بطُرفة جديدة، أقسم لي بالله أنه في أحد الأيام صلى معهم الفجر وهو في حالة طبيعية جداً، في صلاة الظهر رآه على أحد مواقف السيارات، أذّن العصر فكان يصلي عليه، بين الظهر والعصر توفاه الله بشكل مفاجئ، وبعد أذان العصر كان تحت أطباق الثرى، الموت يأتي بغتةً، والقبر صندوق العمل.
 أحد إخواننا الكرام يأكل شطيرة، وفي أثناء تناوله الشطيرة وافته المنية، كان يأكل ظهراً، العصر كان مدفوناً، انتهى الأمر، ملف أُغلِق. فالموت يأتي سريعاً، والموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً، لا يعرف صحيحاً ولا مريضاً، لا يعرف مقيماً ولا مسافراً، قد يأتي الموت الإنسان في أحرج المواقف ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۖ لَّهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌۖ﴾ يوجد زوجات في الدنيا متعبات، أما في الآخرة، قال تعالى: ﴿لَّهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور